تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

الآية 77 : وقوله تعالى : { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } سمي قرية ، وهي كانت مدينة . ألا ترى أنه قال في آخرة : { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } ( الكهف : 82 ) دل أنها كانت مدينة . والعرب قد تسمي المدينة قرية .

وقوله تعالى : { استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه } قال الحسن : كان الجدار كهيئة عند الناظر أنه يسقط .

وقال أبو بكر الأصم : { يريد أن ينقض } الإرادة صفة كل فاعل له حقيقة الفعل ، أو ليس له حقيقة الفعل بعد أن يضاف إليه الفعل . ألا ترى أنه ( يقال عن الجدار ){[11769]} سقط ، وإن كان ، في الحقيقة ( لم ){[11770]} يسقط ؟ .

وعندنا أنه إنما يقال ذلك لقرب الحال وعند الإشراف على الهلاك والسقوط . ألا ترى أن الرجل يقول : إني{[11771]} أردت أن أموت ، وأردت أن أهلك ، وأردت أن أسقط ، وهو لا يريد الموت ولا السقوط ، ولكنه يذكر ذلك لإشرافه على الهلاك وقرب الحال إليه ليس على حقيقة الإرادة ؟ فعلى ذلك قوله : { يريد أن ينقض } أي أشرف ، وقَرُبَ ، على حال السقوط ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قال لو شئت لتخذت عليه أجرا } هذا القول من موسى يحتمل وجهين :

أحدهما : { قال لو شئت لتخذت عليه أجرا } لشدة حاجته إلى الطعام لئلا تقع لهما حاجة إلى أهل تلك المدينة ؛ إذ قال وقع لهما إليهم حاجة حين{[11772]} قال : { استطعما أهلها } مرة ، فلم يُطْعِموها ، فأراد أن يأخذ على ذلك أجرا لئلا تقع لهما حاجة إليهم ثانيا .

والثاني : قال له ذلك : لما لم ير أهل تلك البلدة أهلا ليصنع إليهم المعروف ، لما رأى منهم من البخل والضنة في الإطعام ، حين{[11773]} استطعماهم ، فلم يطعموهما منهم ، وضِنَّةً ، والله أعلم .

وذُكِرَ في بعض القصة أن الجدار الذي أقامه صاحب موسى ، كان طوله خمس مائة ذراع ، وقامته مئتي ذراع ، وعرضه أربعين ذراعا ، أو نحوه . وتحته طريق القوم . لكن لا حاجة إلى معرفة ذلك ، إنما الحاجة إلى ما فيه من أنواع الحكمة والفوائد .


[11769]:في الأصل و.م: للجدار.
[11770]:ساقطة من الأصل و.م.
[11771]:في الأصل و.م: إن.
[11772]:في الأصل و.م: حيث.
[11773]:في الأصل و.م: حيث.