فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا} (80)

{ وَأَمَّا الغلام } يعني : الذي قتله { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنينِ } أي : ولم يكن هو كذلك { فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا } أي : يرهق الغلام أبويه ، يقال : رهقه أي : غشيه ، وأرهقه أغشاه . قال المفسرون : معناه خشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه في دينه ، وهو الكفر ، و{ طُغْيَانًا } مفعول يرهقهما و{ كُفْراً } معطوف عليه ، وقيل : المعنى : فخشينا أن يرهق الوالدين طغياناً عليهما وكفراً لنعمتهما بعقوقه . قيل : ويجوز أن يكون { فخشينا } من كلام الله ، ويكون المعنى : كرهنا كراهة من خشي سوء عاقبة أمره فغيره ، وهذا ضعيف جدّاً ، فالكلام كلام الخضر . وقد استشكل بعض أهل العلم قتل الخضر لهذا الغلام بهذه العلة ، فقيل : إنه كان بالغاً وقد استحق ذلك بكفره ؛ وقيل : كان يقطع الطريق فاستحق القتل لذلك ، ويكون معنى { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } : أن الخضر خاف على الأبوين أن يذبا عنه ويتعصبا له فيقعا في المعصية ، وقد يؤدّي ذلك إلى الكفر والارتداد . والحاصل أنه لا إشكال في قتل الخضر له إذا كان بالغاً كافراً أو قاطعاً للطريق هذا فيما تقتضيه الشريعة الإسلامية ، ويمكن أن يكون للخضر شريعة من عند الله سبحانه تسوّغ له ذلك ، وأما إذا كان الغلام صبياً غير بالغ ، فقيل : إن الخضر علم بإعلام الله له أنه لو صار بالغاً لكان كافراً يتسبب عن كفره إضلال أبويه وكفرهما ، وهذا وإن كان ظاهر الشريعة الإسلامية يأباه ، فإن قتل من لا ذنب له ولا قد جرى عليه قلم التكليف لخشية أن يقع منه بعد بلوغه ما يجوز به قتله لا يحلّ في الشريعة المحمدية ، ولكنه حلّ في شريعة أخرى ، فلا إشكال . وقد ذهب الجمهور إلى أن الخضر كان نبياً .

/خ82