الآية 125 وقوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } [ قيل : المثابة المجمع ] . وقيل{[1452]} : المثابة المرجع [ يثوبون : يرجعون ]{[1453]} . وقيل : يحجون . وقوله { مثابة للناس وأمنا } هو فعل العباد لأنهم يأمنون ، ويثوبون ؛ أخبر أنه جعل ذلك ، ففيه دلالة خلق أفعال العباد . ثم بين فيه عز وجل شدة اشتياق الناس إليه وتمنيهم الحضور بها مع احتمال /18-ب/ الشدائد والمشقة وتحمل المؤن مع بعد المسافة والخطوات{[1454]} . فدل ان الله تعالى بلطفه وكرمه حبب ذلك إلى قلوب الخلق وأنه جعل آيات الربوبية والوحدانية من تدبير سماوي لا من تدبير البشرية . وفيه دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ أخبر عما قد كان ، فثبت أنه أخبر عن الله عز وجل .
وقوله : { وأمنا }لمن دخله من عذاب الآخرة . وقيل : { وأمنا } لكل مجرم{[1455]} أوى إليه من القتل وغيره كقوله : { ومن دخله كان آمنا }
[ آل عمران : 97 ] من كل ما ارتكب . وأما عندنا فإنه إن قتل قتيلا ، ثم التجأ إليه ، فإنه لا يقتل ما دام فيه لأنه لا يقتل للكفر هنالك . فعلى ذلك القصاص لقوله : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } [ البقرة : 191 ] وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن مكة حرام بتحريم الله إياها يوم خلق الله السماوات والأرض ؛ لما تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها " [ البخاري 1833 و 1834 ] . وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( لو ظفرت بقاتل عمر في الحرم ما قتلته ) . وإذا قتل في الحرم يقتل به هنالك .
والوجه فيه أن إقامة مثله عليه في ما يرتكبه في الحرم أحق ، إذ هي كفارة لينزجر عما ارتكب ، وأحق ما يقع فيه الزجر بمثله ما هو فيه من المكان .
وإذا قتل في غير المحرم ، ثم التجأ إلى الحرم ؛ قال أبو حنيفة رضي الله عنه{[1456]} : ( لا يخرج من الحرم ) . وأبو يوسف رضي الله عنه{[1457]} جعل ذلك للسلطان ؛ ذهب إلى أنه قال : { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] كما قال : { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ، فأوجب الإخراج من حيث [ أخرج كما أوجب القتل من حيث القتل ]{[1458]} . قيل : لم يخرج من الحرم إذا لم يخرج منه كما لم يقتل في الحرم إذا لم يقتل فيه . أو نقول بالإخراج للقتل قصد ما لم يسع{[1459]} فعله فيه ، كان كالصيد يخرج{[1460]} ، يلزم فيه ما يجب بالقتل ، فمثله في موضع الخطر .
وبعد فإنه لو أخرج لم يأمن بالحرم ، بل زيد في عقوبته ؛ إذ الإخراج عقوبة ، فقد زيد عليه مع ما لم يجز في الكفار الذين نهي{[1461]} عن قتلهم إخراجهم للقتل ، كذلك القاتل . وذهب الآخر إلى أنه يخرج لإقامة الحد عند أبي حنيفة رضي الله عنه{[1462]} وإن لم يرتكب فيه . وإخراج المرتكب له أقل في الحكم من إقامته عليه . غير أنه غلط لأن إخراجه للقتل يرفع{[1463]} من الحد لأنه يصل إلى قتله ولما في القتل عقوبة واحدة ، وفي الإخراج عقوبتان ، ثم لم يلزمه العقوبة الواحدة ، وهي القتل إذا لم يقتل فيه كان من ألا يلزمه العقوبتان أحق .
وقوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } اختلف{[1464]} في مقام إبراهيم عليه السلام : منهم من جعل الحرم كله مقامه [ ( مصلى ) ]{[1465]} ؛ يصلي إليه لمقامه هنالك بأولاده . ومنهم من جعل المسجد مقامه لأنه كان مكان عبادته ، فهو المصلى . ومنهم من جعل ما ظهر من مقامه ، وهو موضع ركوبه ونزوله ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة قام إلى الركن اليماني ، فقال عمر : يا رسول الله : ألا تتخذ مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله تعالى : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . وعندنا : القبلة البيت لقوله{[1466]} : ( فولوا وجوهكم شطره ) [ البقرة : 144 و 150 ] وقوله : { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } [ المائدة : 97 ] أي مقاما لقيام العبادات .
وقوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } فيه الأمر ببنائه .
وقوله : { أن طهر بيتي }{[1467]} يحتمل التطهير وجهين{[1468]} :
أحدهما : من الأصنام والأوثان التي كانت هنالك وعبادة غير الله والأنجاس .
والثاني{[1469]} : التطهير من كل أنواع الأقذار [ ومن ]{[1470]} كل أنواع المكاسب على ما روي في جملة المساجد .
وقوله : { للطائفين والعاكفين والركع السجود } قيل : الطائف هو القادم ، سمي طائفا لدخوله{[1471]} بطوافه . وقيل : الاستيجاب{[1472]} للطواف ، لذلك قال أصحابنا : [ رحمهم الله ]{[1473]} الطواف للقادم أفضل من الصلاة ، والصلاة للمقيم أفضل . وقيل : العاكفون المجاورون
[ أي من أهل مكة والقادمين إليها ]{[1474]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.