الآية 234 وقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ؛ قيل : هي ناسخة لقوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف } [ البقرة : 240 ] إنها وإن [ كانت ]{[2835]} مقدمة في الذكر ، وتلك مؤخرة ، ف{[2836]} : { أربعة أشهر وعشرا } ناسخة لتلك . إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل . ألا ترى إلى ما جاء [ في الخبر ]{[2837]} أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها ، واشتكت عينها ، وهي تريد أن تكحلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد كانت ]{[2838]} إحداكن في الجاهلية تجلس حولا في منزلها ، ثم تخرج عند رأس الحول ، فترمي [ بالبعيرة ، وإنما هي أربعة أشهر وعشرا ]{[2839]} [ مسلم : 1488 ] ؟ فثبت أن ما كان ذلك ، مما تقدم الأمر به ، نسخ بالثاني .
وقال آخرون : إنه قد أثبت في الآية متاعا أو وصية ، ثم ورد النسخ على كل وصية كانت للوارث بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) [ الترمذي : 2121 ] ، وإلا كان الاعتداد الواجب اللازم هو أربعة أشهر وعشرا{[2840]} . وأمكن أن يستدل بقوله : { فإن خرجن } إذ كان على إثر قوله : { غير إخراج } [ البقرة : 241 ] ؛ { فإن خرجن } كان النهي على الإخراج دون الخروج ، وهذا أصل في الوصايا بالمتاع ؛ ألا يمنع الرد ، وإن أجبر على التسليم .
وفي الآية دلالة جواز الوصية بالسكنى إذا بطلت بحق الميراث لا بحق الوصية ، والله الموفق ، وهو جائز في من لم تنسخ له الوصية .
وأمكن الاستدلال بالآية على عدة الوفاة بالحبل إذا ثبت ما روي أنه يكون [ أربعين يوما نطفة ، و ]{[2841]} أربعين يوما علقة ، وأربعين يوما مضغة ، ثم ينفخ فيه الروح في العشر . فإذا كان ما ذكر أمرت بتربص أربعة أشهر وعشر{[2842]} ليتبين{[2843]} الحبل إن كمان بها . وإذا كان بهذا معنى العدة ، فإذا ولدت بدونه انقضت العدة ، والله أعلم . فإن قيل : الأمة أليست{[2844]} لا تختلف [ عن ]{[2845]} الحرة في تبيين الحبل ، ثم لم تجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا ، فإذا لم تجعل ذلك ، كيف لا بان أن الأمر بتربص أربعة أشهر وعشر إلا لهذا المعنى ؟ قيل [ لوجوه :
أحدهما ]{[2846]} : أن الحرائر هن الأصول في النكاح ، وفيهن تجري الأنكحة ، فيخرج الخطاب لهن .
والثاني : أنها حق أخذت [ الحرة ]{[2847]} ، والحقوق التي تأخذ الحرائر هي الأصول في النكاح ؛ إذا [ صرفت تلك ]{[2848]} إلى الإمام تأخذ نصف ما تأخذ الحرائر .
والثالث : أنه لا تقصد آجالهن لما فيه رق الولد واكتساب الذل والدناءة .
وروي عن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( تعتد أبعد الأجلين احتياطا ) ؛ ذهب في ذلك إلى أن الاعتداد يوضع في الطلاق [ ولم يذكر ]{[2849]} في الوفاة ، فيتحمل أن يكون ذلك في الوفاة كهو في الطلاق ، ويحتمل ألا يكون ، فأمرها بذلك احتياطا .
وأما عندنا فما روي عن عمر وعبد الله [ بن مسعود وعبد الله ]{[2850]} بن عباس رضي الله عنه أنهم قالوا : ( إذا وضعت ما في بطنها ، وزوجها على{[2851]} السرير ، انقضت عدتها ) ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن امرأة مات عنها زوجها ، وكانت حاملا ، فوضعت بعد ذلك بأيام ، فأذن لها بالنكاح ) [ البخاري : 5320 ] .
ثم الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشرا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها ، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ) [ البخاري : 5334 ] فإن قيل : أليس وجب ذلك على المطلقة ؟ والخبر إنما جاء في الموت ، وهو فوت النعمة في الدين ، وذلك الفوت في الطلاق كهو في الموت . [ قيل ]{[2852]} ألا ترى أنه لم يجب ذلك في موت أبيها ولا في موت ولدها ؟ دل أنه لم يجب للموت نفسه ، ولكن لفوت النعمة في الدين . ألا ترى أنه روي في الخبر : ( أن المرأة الصالحة مفتاح الجنة ) [ بنحوه مسلم 1467 ] فأمرت بإظهار الحزن على ما فات منها من النعمة بترك الزينة والتشوف ؟ إذ النكاح نعمة ، ثم الدخول بها سواء في وجوب المهر والعدة وترك الزينة وإظهار الحزن على فوت النعمة . وأما المطلقة قبل الدخول بها لم يلزمك ذلك ، لأن العدة لم تلزمها ، فتتجدد لها النعمة لما لها أن تنحك للحال ، فتكسب نعمة ، والله أعلم . ألا ترى أن الصبي الصغير إذا مات عن امرأته تلزمها أربعة أشهر وعشر{[2853]} ؟ دل هذا أن وجوبها لفوت النعمة ، والله أعلم .
[ وقوله : { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلتم في أنفسكم بالمعروف والله بما تعلمون خبير } ؛ قوله : { فيما فعلن في أنفسهم } أي ]{[2854]} في الأكفاء بمهر مثلهن ، قد ذكرنا هذا في ما تقدم{[2855]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.