تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

الآية 265 وقوله تعالى : { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعلمون بصير } ؛ ]{[3312]} في الأمثال التي ضربها الله تعالى ، وذكرها في القرآن وجوه :

أحدها : جواز قياس ما غاب من الحكم عن المنصوص بالمنصوص إذا جمعها معنى واحد .

والثاني : أن علوم المحسوسات والمشاهدات هي علوم الحقائق ، وهي الأصول التي بها يستدل ، ويوصل إلى معرفة الغائب .

والثالث : فيها إثبات رسالة محمد ، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، وذلك أن العرب لا تضرب الأمثال ، ولا كانت تعرفها في أمر التوحيد وتعريف ما غاب عن حواسهم من أمر القيامة ونحو ذلك ، ثم بعض الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن ، وذكر فيه الأمثال ليذكرهم تلك الأمثال ليعلموا أنه لما عرفها [ بالله ]{[3313]} عز وجلا لا أنه أنشأ هذا القرآن من تلقاء نفسه ، وذلك من{[3314]} آيات نبوته ورسالته . وعلى ذلك جعل عدم الكتابة وإنشاد الشعر من آيات نبوته ورسالته ، لأن من عادة العرب إنشاد الشعر والكتابة ، ويفضلون أربابها على غيرهم{[3315]} ، لشلا يعرف هو بها ، ويقولوا{[3316]} : إنه أخذ من الكتب ، أو اختلق{[3317]} من نفسه كقوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذا لارتاب المبطلون } [ العنكبوت : 48 ] .

والرابع : فيها دلالة أن الله ، جل ، وعلا ، خالق الدنيا وما فيها من المحاسن والخبائث والأعالي والخسائس حين ضرب مثل الرفيع والخسيس بالخسيس ، فدل [ أن ]{[3318]} خالق هذه الأشياء كلها هو الله تعالى ، لا شريك له ، ولا شبيه .

ثم شبه الصدقة التي هي لله جل وعلا مرة بالربوة من الأرض ، وهي المرتفعة منها ، ومرة بالحبة التي تنبت كذا سنبلة ، وفي كل سنبلة كذا وكذا حبة ، ومرة بالإضعاف المضاعفة كقوله{[3319]} تعالى : { فيضعفه له أضعافا كثيرة } [ البقرة : 245 ] ؛ فهو ، والله أعلم ، لما علم جلا وعل رغبة النسا مرة في العدد في الدنيا ، ومرة في البساتين المرتفعة أرضها وتربتها ، ليشرفوا على غيرهم من الخلائق والبقاع ، ومرة في الكثير من الأشياء والعظيم منها ؛ رغبهم جلا وعل في الصدقة بما ذكرنا من الأشياء لعلمه برغبتهم فيها ليغبوا في ذلك ، والله أعلم .

وعلى ذلك حرم الله تعالى الصدقات على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يرغب الناس في الصدقة لئلا يظنوا فيه ظن السوء ، ويقولوا{[3320]} : إنه إنما يرغبهم فيها لينتفع هو بها .

وقوله تعالى : { وتثبتا من أنفسهم } اختلف فيه ؛ وقيل : { وتثبيتا } تصديقا كقوله تعالى : { فأما من أعطى واتقى } { وصدق بالحسنى } [ { فسنيسره لليسرى } ]{[3321]} [ الليل : 5 و 6 و 7 ] ، وقيل : { وتثبيتا } أي تيقنا بالإسلام ، وقيل : يثبتون في مواضع الصدقة ، وقيل : { وتثبيتا } في الصدقة إذا كانت لله أمضى ، وتصدق بها ، وإن خالصة شيء أمسك ، والله أعلم .

قوله تعالى : { كمثل جنة بربوة } قيل : الربوة المرتفع من الأرض ، وقيل : الربوة الظاهر المستوى من المكان .

[ وقوله تعالى : { أصابها وابل } ؛ والوابل قد ذكرنا{[3322]} أنه المطر الشديد العظيم القطر ]{[3323]} .

وقوله تعالى : { فآتت أكلها ضعفين } يعني الجنة أضعفت في ثمرها في الحمل ضعفين حين { أصابها وابل } .

كذلك الذي ينفق ماله لله تعالى [ في غير منة ]{[3324]} يمن بها ، يضاعف نفقتها ، وكثرت النفقة ، أو قلت ، وقيل : يضاعف الله للمنفق الأجر مرتين .

وقوله تعالى : [ { فإن لم يصبها وابل فطل } والطل هو المطر الضعيف ، وقيل : هو الطش من المطر ، [ وقيل : هو ]{[3325]} الرذاذ [ من المطر ]{[3326]} مثل الندى ، لا تزال الجنة خضراء دائما ثمرها ؛ قل ، أو كثر .


[3312]:من ط ع، في الأصل وم: الآية.
[3313]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3314]:من ط ع وم، في الأصل: عن.
[3315]:من ط ع وم، في الأصل: غير.
[3316]:في النسخ الثلاث: ويقولون.
[3317]:من ط ع وم، في الأصل: اختلف.
[3318]:من ط ع.
[3319]:في النسخ الثلاث: لقوله.
[3320]:في النسخ الثلاث: ويقولون.
[3321]:ساقطة من الأصل وم.
[3322]:في تفسير الآية (264).
[3323]:أدرجت هذه العبارة في الأصل وم بعد: الأجر مرتين.
[3324]:من ط ع، ساقطة من الأصل وم.
[3325]:من ط ع، في الأصل وم: هو.
[3326]:من ط ع.