الآية 265 وقوله تعالى : { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل حبة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعلمون بصير } ؛ ]{[3312]} في الأمثال التي ضربها الله تعالى ، وذكرها في القرآن وجوه :
أحدها : جواز قياس ما غاب من الحكم عن المنصوص بالمنصوص إذا جمعها معنى واحد .
والثاني : أن علوم المحسوسات والمشاهدات هي علوم الحقائق ، وهي الأصول التي بها يستدل ، ويوصل إلى معرفة الغائب .
والثالث : فيها إثبات رسالة محمد ، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، وذلك أن العرب لا تضرب الأمثال ، ولا كانت تعرفها في أمر التوحيد وتعريف ما غاب عن حواسهم من أمر القيامة ونحو ذلك ، ثم بعض الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن ، وذكر فيه الأمثال ليذكرهم تلك الأمثال ليعلموا أنه لما عرفها [ بالله ]{[3313]} عز وجلا لا أنه أنشأ هذا القرآن من تلقاء نفسه ، وذلك من{[3314]} آيات نبوته ورسالته . وعلى ذلك جعل عدم الكتابة وإنشاد الشعر من آيات نبوته ورسالته ، لأن من عادة العرب إنشاد الشعر والكتابة ، ويفضلون أربابها على غيرهم{[3315]} ، لشلا يعرف هو بها ، ويقولوا{[3316]} : إنه أخذ من الكتب ، أو اختلق{[3317]} من نفسه كقوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذا لارتاب المبطلون } [ العنكبوت : 48 ] .
والرابع : فيها دلالة أن الله ، جل ، وعلا ، خالق الدنيا وما فيها من المحاسن والخبائث والأعالي والخسائس حين ضرب مثل الرفيع والخسيس بالخسيس ، فدل [ أن ]{[3318]} خالق هذه الأشياء كلها هو الله تعالى ، لا شريك له ، ولا شبيه .
ثم شبه الصدقة التي هي لله جل وعلا مرة بالربوة من الأرض ، وهي المرتفعة منها ، ومرة بالحبة التي تنبت كذا سنبلة ، وفي كل سنبلة كذا وكذا حبة ، ومرة بالإضعاف المضاعفة كقوله{[3319]} تعالى : { فيضعفه له أضعافا كثيرة } [ البقرة : 245 ] ؛ فهو ، والله أعلم ، لما علم جلا وعل رغبة النسا مرة في العدد في الدنيا ، ومرة في البساتين المرتفعة أرضها وتربتها ، ليشرفوا على غيرهم من الخلائق والبقاع ، ومرة في الكثير من الأشياء والعظيم منها ؛ رغبهم جلا وعل في الصدقة بما ذكرنا من الأشياء لعلمه برغبتهم فيها ليغبوا في ذلك ، والله أعلم .
وعلى ذلك حرم الله تعالى الصدقات على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يرغب الناس في الصدقة لئلا يظنوا فيه ظن السوء ، ويقولوا{[3320]} : إنه إنما يرغبهم فيها لينتفع هو بها .
وقوله تعالى : { وتثبتا من أنفسهم } اختلف فيه ؛ وقيل : { وتثبيتا } تصديقا كقوله تعالى : { فأما من أعطى واتقى } { وصدق بالحسنى } [ { فسنيسره لليسرى } ]{[3321]} [ الليل : 5 و 6 و 7 ] ، وقيل : { وتثبيتا } أي تيقنا بالإسلام ، وقيل : يثبتون في مواضع الصدقة ، وقيل : { وتثبيتا } في الصدقة إذا كانت لله أمضى ، وتصدق بها ، وإن خالصة شيء أمسك ، والله أعلم .
قوله تعالى : { كمثل جنة بربوة } قيل : الربوة المرتفع من الأرض ، وقيل : الربوة الظاهر المستوى من المكان .
[ وقوله تعالى : { أصابها وابل } ؛ والوابل قد ذكرنا{[3322]} أنه المطر الشديد العظيم القطر ]{[3323]} .
وقوله تعالى : { فآتت أكلها ضعفين } يعني الجنة أضعفت في ثمرها في الحمل ضعفين حين { أصابها وابل } .
كذلك الذي ينفق ماله لله تعالى [ في غير منة ]{[3324]} يمن بها ، يضاعف نفقتها ، وكثرت النفقة ، أو قلت ، وقيل : يضاعف الله للمنفق الأجر مرتين .
وقوله تعالى : [ { فإن لم يصبها وابل فطل } والطل هو المطر الضعيف ، وقيل : هو الطش من المطر ، [ وقيل : هو ]{[3325]} الرذاذ [ من المطر ]{[3326]} مثل الندى ، لا تزال الجنة خضراء دائما ثمرها ؛ قل ، أو كثر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.