تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (267)

الآية 267 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } فيه دليل وجوب الزكاة في أموال التجارة بقوله : { ما كسبتم } لأن أموال التجارة هي التي تكتسب ، وليس غي كتاب الله تعالى بيان وجوب الزكاة في أموال التجارة في غير هذا الموضع ، وليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذكر عن بضع الصحابة رضي الله عنهم القول به ، فيحتمل أن يكون ما قالوا بهذه الآية .

وأما زكاة الفضة والذهب والمواشي في مالها ذكر في الكتاب والسنة فالزكاة تجب فيها لعينها أكتسب بها ، أم لم يكتسب ؟ وأما أموال التجارة فإن الزكاة تجب فيها الاكتساب .

وفيه دليل أن النفقة فيه لازمة واجبة لأنه قال : { إلا أن تغمضوا فيه } ؛ ذكر الإغماض ، والإغماض لا يذكر في المعروف إنما يذكر في اللازم والواجب الذي لا مخرج له بالأداء إلا عن عفو وصفح والرضا بدون الحق ، وثبت أنه على اللزوم .

وفيه دليل وجوب الحق في الرطاب والخضروات لأنه ذكر في الآية المخرج ، والرطاب هي تخرج من الأرض . وأما الحبوب فإنما تخرج من الأصل الذي [ تخرج منه ]{[3345]} . لذلك كان الرطاب والخضر أولى بوجوب الحق من فيرع بظاهر الآية .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : والوجوب في الحبوب بما كانت تخرج من الحقوق ، والحقوق{[3346]} بظاهر هذه الآية{[3347]} في التي تخرج من الأرض .

وأما أبو يوسف ومحمد ، رحمهما الله تعالى ، فإنهما قالا : يحتمل قوله : { أخرجنا لكم من الأرض } يعني من الأصل الذي يخرج لكم من الأصل [ كقوله تعالى ]{[3348]} : { يا يني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم وريشا } [ الأعراف : 26 ] ، ولا ينزل من السماء اللباس كما هو ، ولكن أراد الأصل الذي يكون به اللباس ، وكذلك قوله : { خلفكم من تراب } [ الروم : 20 و . . . ] وهو لم يخلقنا من التراب ، وإنما الأصل من التراب ، وهو آدم عليه السلام فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

والوجه فيه{[3349]} أنه من الله تعالى علينا بما أخرج لنا من الأرض [ من أنواع ما أخرج بحبة تلقي في الأرض ]{[3350]} فيفسد فيها ، فيخرج منه النبات بلطفه لا صنع لأحد فيها ، وتلك المنة لا تكون على أربابها خاصة دون الفقراء كهي على أربابها ، لأنه أخرجه رزقا للكل ؛ ففيه حق الفقراء والأغنياء جميعا ، ومن ثم{[3351]} جاز وجوب العشر على الصغر{[3352]} . ألا ترى إلى قوله تعالى : { فرأيتم ما تحزنون } { أنتم تزرعونه أن نحن الزارعون } [ الواقعة : 63 و 64 ] [ وقوله : { فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } ]{[3353]} [ النمل : 60 ] ؛ قيل : [ أنتم ]{[3354]} تنبتونه أم نحن المنبتون ؟ وأما بعد النبات فيشترك العباد بالسقي والحفظ وغيره ، لذلك ما ذكرنا ، والله أعلم .

وفي قوله : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } دلالة على ألا يتصدق بالرديء عن الجيد ؛ فإذا تصدق به ويلزمه فضل ما بين الردئ إلى الجيد على قول محمد ، رحمه الله تعالى ، بظاهر قوله تعالى : { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ، وعند أبي حنيفة [ وأبي يوسف رضي الله عنه ]{[3355]} : يجوز ، ولا يختار له لذلك ؛ وذلك أن الله تعالى أطمع الناس قبول ذلك إذا تغامضوا ، فهو أحق أن يطمع فيه القبول لكرمه ولطفه ، ولأنه ليس لصفة ما يكال ، ويوزن من نوعه قيمة ؛ فإذا لم تكن له قيمة لا يلزمه فضل الصفة .


[3345]:في ط ع: يخرج منه، في الأصل وم: يخرج من.
[3346]:في ط ع: العقوق.
[3347]:في النسخ الثلاث: الوجوب.
[3348]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3349]:في النسخ الثلاث: منه.
[3350]:من ط ع وم.
[3351]:في ط: ثمة.
[3352]:من ط ع وم، في الأصل: الصغير.
[3353]:من ط ع.
[3354]:ساقطة من ط ع.
[3355]:من ط ع، في الأصل وم: رضي الله عنه.