تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (61)

الآية 61 وقوله تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) قيل فيه بوجوه : قيل : أول ما أنزل المن ؛ فعند ذلك قالوا : ( لن نصبر على طعام واحد ) ثم أنزل السلوى ، وقيل : كانوا يتخذون من المن القرص فيأكلون مع السلوى ، فهو طعام واحد ؛ فقالوا : لن نصبر عليه ، ويحتمل أن يكون طعامهم في اليوم مرة ، فطلبوا الأطعمة المختلفة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) قال : يبين لنا معنى إضافة خصوصية الأشياء إلى الله عز وجل يخرج لنا مخرج التعظيم لذلك الشيء المخصوص ؛ من ذلك : بيت الله و( رسول الله ) [ الأحزاب : 21 و . . ] و ( ناقة الله ) [ الأعراف : 73و . . ] / 12-أ/ هذا كله يخرج مخرج التعظيم [ لهذه الأشياء ، وإضافة كلية الأشياء ]{[876]} إلى الله تعالى ، تخرج مخرج تعظيم الرب وإجلاله [ نحو ما قال : ( رب كل شيء ) [ الأنعام : 164 ] و( خلق كل شيء ) [ الرعد : 16 و . . . ] و( رب السماوات والأرض ) [ الرعد : 16 و . . ] و ( خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 و . . ] ونحوه ؛ هذا كله وصف تعظيم الرب وإجلاله ]{[877]} .

وقد اختلف في الفوم ؛ قيل : الفوم هو الثوم ، وكذلك روي في قراءة عبيد الله أنه قرأه{[878]} : وثومها{[879]} ، وقيل الفوم : البر .

وقوله تعالى : ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) قيل في أدنى بوجوه : قيل : أدنى في القيمة ، وقيل : أدنى في الخطر والرغبة ، وقيل : أدنى في المنافع ، وقيل : أدنى لما لا يصل هذا إليهم إلا بالمؤنة والمشقة ، وذلك لهم بلا مؤنة ولا مشقة ، فهو خير ، وكل يرجع إلى واحد ، والله أعلم .

ويحتمل أدنى أدون وأقل ، ولا شك أن ما طلبوا ، وسألوا دون الذي كان لهم . ويحتمل ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) قد أعطوا ، ولو كان ذلك أصلح لهم في الدين لم يكن موسى ليلومهم عليه . ثبت أنه لم يكن . ثم أعطوا ذلك ؛ فثبت أن الله تعالى قد يجوز له في الحكمة فعل ما كان غيره أصلح لهم في الدين ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى{[880]} : ( اهبطوا مصرا ) قيل : المصر المعروف ، وقيل : مصر من الأمصار لأن ما طلبوا لا يوجد إلا في الأمصار ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : ( فإن لكم ما سألتم ) من الأطعمة المختلفة إن كان المراد منه المرار{[881]} ، وإن كان الأطعمة المختلفة فهو كما قال . وإن كان الأطعمة المختلفة فهو كما قال .

وقوله تعالى : ( وضربت عليهم الذلة ) قيل فيه بوجوه : قيل ( الذلة ) [ ذلة ]{[882]} احتمال المؤنة والشدائد لما سألوا من الأطعمة المختلفة ، وقيل : ( الذلة ) ذلة الجزية والصغار ، بعصيانهم ربهم{[883]} ، وقيل [ ( الذلة ) ]{[884]} ذلة الكسب والعمل لأن الأول كان يأتيهم من غير كسب ولا مؤنة .

[ قوله تعالى ]{[885]} : ( والمسكنة ) قيل : هي{[886]} الفقر والحاجة ، وقيل : قطع رجائهم عن{[887]} الآخرة لما عصوا ربهم .

وقوله تعالى : ( وباءوا بغضب من الله ) قيل فيه بوجوه : قيل : باؤوا رجعوا ، وقيل : [ باؤوا ]{[888]} استوجبوا ، وقيل : [ باؤوا ]{[889]} أقروا ، وكله يرجع إلى واحد .

وقوله تعالى : ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) قد ذكرنا في ما تقدم{[890]} أن الآيات ، هي الحجج والتي أعطى الرسل ، وأجراها على أيديهم . وقال الحسن : ( هي دين الله ) .

وقوله تعالى : ( ويقتلون النبيئين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) يحتمل أن يكون هذا في غيرهم لأنه لم يكن في زمن موسى نبي سوى هارون ، وهم لم يقتلوه ، إلا أن يقال : إن ذلك كان من أولادهم [ بعد موسى أو كان من غيرهم سوى هؤلاء وأولادهم ]{[891]} على أن قتل الأنبياء في بني إسرائيل كان ظاهرا حتى قيل : قتل في يوم كذا كذا نبيا ، ولم يذكر قتل رسول من الرسل ؛ وذلك ، والله أعلم ، لقوله : ( إنا لننصر رسلنا ) [ غافر : 51 ] ولقوله{[892]} : ( إنهم لهم المنصورون ) [ الصافات : 172 ] . أخبر أنه ينصرهم{[893]} وأنهم منصورون ؛ ومن كان الله ناصره فهو المنصور أبدا ، ولأن الرسل هم الذين أوتوا الآيات{[894]} التي كانت معهم . وأما الأنبياء فلم يكن معهم تلك الآيات المعجزة ، وإنما كانوا يدعون الخلق إلى دين الله بالآيات [ التي كانت للرسل والحجج ]{[895]} التي كانت معهم . لذلك{[896]} كان ما ذكر ، والله أعلم .

قال قوم : لم يقتل أحد من الرسل ، وإنما قتل الأنبياء أو رسل الرسل . فإن كان كذلك فعلى ذلك يخرج ما ذكرنا من الآيات ، وإن لم يكن فالنصر كان بالحجج والآيات . فكانت تلك للكل . وعلى ذلك لا دلالة في كون الآيات مع الأنبياء وغير كونهما{[897]} . فإن لم يكن لهم ابتداء شرع ولا نسخ ، فعلى{[898]} الدعاء إلى ما سبق من الشرائع ، وكانت آياتهم كآيات الرسل أو دلالات العصمة مع ما كان بهم حفظ الكتب السماوية بلا تبديل ، والله أعلم بالحق في ذلك . ونعتصم بالله عن بسط اللسان في ذلك بالتدبير دون شيء ظهر على ألسن الرسل أو القول فيهم بشيء{[899]} إن كانت آية أولا . لكن الله تعالى قد أقام حجته لكل على قدر الكفاية{[900]} والتمام .


[876]:- من ط م، في الأصل و ط ع: بهذه الأشياء.
[877]:- من ط م.
[878]:- في ط ع: قرأ.
[879]:- ذكر ابن جني في المحتسب أن هذه القراءة لعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، انظر 1/ 88.
[880]:- من ط م و ط ع، في الأصل: وقيل.
[881]:- من ط م و ط ع، في الأصل: المراد.
[882]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[883]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ذلهم.
[884]:- من ط ع.
[885]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[886]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ذي.
[887]:- في ط م: من.
[888]:- من ط ع.
[889]:- من ط ع.
[890]:- في تفسير الآية.
[891]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[892]:- من ط م، في الأصل: لقوله، ساقطة من ط ع.
[893]:- من ط م في الأصل، لم ينصرهم، في ط ع: لينصرهم.
[894]:- أدرج بعدها في الأصل و ط ع: من.
[895]:- من ط م.
[896]:- من ط م، في الأصل و ط ع: بذلك.
[897]:- من ط م، في الأصل و ط ع: كونهما.
[898]:- في النسخ الثلاث: بل على.
[899]:- من ط م، في الأصل و ط ع فنبي.
[900]:- في ط ع: الكفاءة.