بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (61)

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يا موسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد } ، أي من جنس واحد { فادع لَنَا رَبَّكَ } ، أي سل لنا ربك { يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض } ، أي مما تخرج الأرض { مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا } . وقوله { بَقْلِهَا } أراد به البقول كلها ، وقوله { وَقِثَّائِهَا } أراد به جميع ما يخرج من الفاكهة مثل القثاء والبطيخ ونحو ذلك ، وقوله : { وَفُومِهَا } ، أي طعامها وهي الحبوب كلها ، ويقال : هي الحنطة خاصة . وقال مجاهد : الفوم الخبز . وقال الفراء : فومي لنا يا جارية ، يعني اخبزي لنا . ويقال : الفوم هو الثوم ، والعرب تبدل الفاء بالثاء لقرب مخرجهما . وفي قراءة عبد الله بن مسعود { وَثُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } .

فغضب عليهم موسى عليه السلام { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ } ، يعني أتستبدلون الرديء من الطعام بالذي هو خير أي بالشريف الأعلى ؟ ويقال : معناه تسألون الدنيء من الطعام وقد أعطاكم الله الشريف منه وهو المن والسلوى ؟ ويقال : أتختارون الدنيء الخسيس وهو الثوم والبصل على الذي هو أعلى وأشرف وهو المن والسلوى ؟ فقال الله تعالى لهم : { اهبطوا مِصْرًا } قرأ بعضهم بلا تنوين أي المصر الذي خرجتم منه ، وهو مصر فرعون ، ومن قرأ { مصرا }ً بالتنوين يعني : ادخلوا مصراً من الأمصار ، { فَإِنَّ لَكُم } فيه { مَّا سَأَلْتُمْ } تزرعون وتحصدون .

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة } . قال الحسن وقتادة : جعلت عليهم الجزية يعني على ذريتهم . ويقال : جعل عليهم كدّ العمل ، يعني أولئك القوم حتى كانوا ينقلون السرقين . { والمسكنة } يعني زي الفقراء . وقال الكلبي : يعني الرجل من اليهود وإن كان غنياً ، يكون عليه زي الفقراء .

وقوله تعالى : { وبَاؤوا بِغَضَبٍ } ، يعني استوجبوا الغضب { مِنَ الله } . قال بعضهم : أصله من الرجوع ، يعني رجعوا باللعنة في أثر اللعنة . ويقال : باؤوا أي احتملوا كما يقال : بوِّئت بهذا الذنب أي احتملته . ثم قال : { ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله } ، أي ما أصابهم من الذلة والمسكنة وهم اليهود بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، يعني كذَّبوا عيسى وزكريا ويحيى ومحمداً عليهم وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام { وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق } ، أي بغير جرم منهم ، وهم زكريا ويحيى . قرأ نافع { النبيين } بالهمزة وكذلك جميع ما في القرآن إلا في سورة الأحزاب : { مُّنتَظِرُونَ يا أيها النبي } ، وقرأ الباقون : بغير همز . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له : يا نبيء الله ، فقال : « لست بنبيء الله ولكن نبي الله » ( والنبيين ) جماعة النبي . وأما من قرأ بالهمز ، قال أصله من النبأ وهو الخبر لأنه أنبأ عن الله تعالى ، وأما من قرأ بغير همز فأصله مهموز ، ولكن قريشاً لا تهمز . وقال بعضهم : هو مأخوذ من النبأة وهو الارتفاع ، لأنه شرف على جميع خلقه . وقال بعضهم : النبيء هو الطريق الواضح ، سمي بذلك لأنه طريق الخلق إلى الله تعالى .

قوله : { ذلك بِمَا عَصَواْ } ، أي ذلك الغضب على اليهود بما عصوا أي بسبب عصيانهم أمر الله تعالى ، فخذلهم الله تعالى حين كفروا ، فلو أنهم لم يعصوا الله تعالى كانوا معصومين من ذلك . { وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } يعني بقتلهم الأنبياء وركوبهم المعاصي .