فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (61)

{ بقلها } نباتها الذي لا ساق له { قثائها } ثمرة نبت معروف .

{ فومها } ثومها أو حمصها أو كل حب يختبر . { عدسها } النبتة المعروفة ذات الحبيبات الصغيرة . { اهبطوا } أنزلوا وآتوا { مصر } مدينة وأصله كل كورة تجمع فيها السكان

{ ضربت عليهم } ألزموها وقضى عليهم بها { الذلة } الصغار .

{ المسكنة } الفقر{ عصوا } خالفوا{ يعتدون } يتجاوزون الحد .

{ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها } ( واذكروا ضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى الأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم . . .

{ قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيئ الطيب النافع وقوله تعالى : { اهبطوا مصرا } هكذا هو منون مصروف وقال ابن عباس مصرا من الأمصار والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه فليس يساوي مع دنائته وكثرته في الأمصار أن أسال الله فيه ولهذا قال : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } أي ما طلبتم ولما كان سؤالكم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه والله أعلم .

{ وضربت عليه الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله . . . } أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا أي لا يزالون مستذلين من وجدهم استذلهم وأهانهم وضرب عليهم الصغار وهم على ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون ؛ . . . استحقوا الغضب من الله ، . . . فمعنى الكلام رجعوا منحرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضبا ووجب عليهم من السخط سخط ؛ . . . هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله وإهانتهم حملة العرش وهم ( الأنبياء ) وأتباعهم فانتقصوهم إلى أن أفضى الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا . . . . ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) يعني رد الحق وانتقاص الناس الازدراء بهم والتعاظم عليهم . . . . { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } هذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي ؛ والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به والله أعلم ){[297]} .


[297]:ما بين العلامتين () للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير في كتابه :تفسير القرآن العظيم.