الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (61)

قوله : ( مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا ) [ 60 ] الآية .

لما فقدوا أطعماتهم التي كانوا يأكلون( {[2240]} ) بمصر ، ولزموا شيئاً واحداً [ ملّوا وقالوا( {[2241]} ) ] ذلك .

ومن قال إن المن [ خُبْز الحُوّارَى ] ( {[2242]} ) ، كان قوله " أدنى " بمعنى أقرب . وقال عطاء ومجاهد : " الفوم : الخبز " ( {[2243]} ) .

وقال قتادة والحسن : " الفوم : الحب الذي يختبز( {[2244]} ) الناس " ( {[2245]} ) .

وعن ابن عباس قال : " الفوم : الحنطة والخبز " ( {[2246]} ) .

وروي عن مجاهد قال : " هو الثوم " ( {[2247]} ) . وهو اختيار ابن( {[2248]} ) قتيبة ، وهو فيم صحف ابن مسعود : " وثُومِهَا " بالثاء . فهذا يدل على أنها الثوم( {[2249]} ) . وذكر ابن قتيبة : " أن الفوم : الحبوب " ( {[2250]} ) .

والعرب تبدل( {[2251]} ) الثاء [ من الفاء ]( {[2252]} ) يقولون : جَدَفٌ( {[2253]} ) وَجَدَثٌ ، وَمَغَافِيرٌ( {[2254]} ) وَمَغَاثِيرٌ . [ فهذا ]( {[2255]} ) يدل( {[2256]} ) على أنه الثوم( {[2257]} ) .

وروي أن الفوم : القمح والعدس وسائر الحبوب ؛ وذلك أنهم لما سلكوا التيه مع موسى( {[2258]} ) شكوا الحر ، فظلل الله عليهم الغمام يقيهم الحر ، وجعل لهم عموداً من نار بالليل يضيء لهم مكان القمر ، وأنز الله( {[2259]} ) عليهم المن والسلوى ، فيأخذون منه قوتهم للغذاء( {[2260]} ) والعشاء ، فمن زاد على ذلك فسدت عليه الزيادة . وكانوا يأخذون يوم الجمعة للجمعة والسبت إذ لا يأتيهم( {[2261]} ) يوم السبت ، وكانوا يخبزون( {[2262]} ) المن قرصاً ، فيأكلون طعاماً مثل الشهد المعجون بالسمن .

وروي أنهم نزل عليهم المن أولاً ، فملوه لحلاوته ، وسألوا لحماً فأنزل الله عليهم طيراً تجلبه عليهم ريح الجنوب ، وأمر( {[2263]} ) ألا( {[2264]} ) يدخروا من لحمه فخالفوا فادخروا ، فخنز عليهم وفسد .

فيروى أنه لولا ذنوب بني إسرائيل ما فسد الطعام المدخر .

وقيل : كانت السلوى تقع في مجالسهم كهيئة السماني ، فملوا ذلك وسألوا القمح والحبوب والبصل ، فأمروا أن يهبطوا مصر وهي الشام( {[2265]} ) ، لأنهم من مصر خرجوا ، فهبطوا إلى الشام بعد انقضاء( {[2266]} ) الأربعين عاماً التي عوقبوا بها في التيه لتخلفهم عن قتال الجبارين ، ولقولهم لموسى صلى الله عليه وسلم : ( فَاذْهَبْ اَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )( {[2267]} ) . ولم يدخل الشام أحد ممن أمر بقتال الجبارين ، بل كلهم مات( {[2268]} ) في التيه ، وإنما دخلها أبناؤهم( {[2269]} ) .

قوله( {[2270]} ) : / ( قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ) [ 60 ] .

هو من قول موسى صلى الله عليه وسلم( {[2271]} ) . و " أدنى " بمعنى أقرب أي أقل قيمة( {[2272]} ) .

وقال علي/ بن سليمان : " أدنى من ذوات الهمز من قولهم : " دَنِيءٌ بَيِّنُ( {[2273]} ) الدَّنَاءَةِ " ، أبدل من الهمزة ألفاً( {[2274]} ) " ( {[2275]} ) .

وقيل : معنى( {[2276]} ) " أدنى " : أقرب لكم في الدنيا مما هو لكم في الآخرة( {[2277]} ) ، فيكون من " دنا يدنو " ( {[2278]} ) . وقد قرئ بالهمز( {[2279]} ) .

وقال مجاهد( {[2280]} ) : " أدنى بمعنى : " أَرْدَأَ " ( {[2281]} ) " .

وقيل : أصله " أدون " من الدون [ ثم قلبت ] ( {[2282]} ) اللام في موضع العين ، وانقلب( {[2283]} ) الواو( {[2284]} ) ألفا لتطرفها( {[2285]} ) .

قوله : ( اهْبِطُوا مِصْراً )( {[2286]} ) [ 60 ] .

قال مجاهد وقتادة وغيرهما : " مصراً( {[2287]} ) من الأمصار( {[2288]} ) " .

وقال أبو العالية : " مصر هي التي كان بها فرعون( {[2289]} ) " . وقاله الكسائي ، وفي قراءة أُبَيّ وابن مسعود : " اهْبِطُوا مصر( {[2290]} ) " بغير صرف معرفة( {[2291]} ) . وقيل : هي الشام( {[2292]} ) .

وروى أشهب( {[2293]} ) عن مالك أنه قال له : " هي مصر قريتك في رأيي( {[2294]} ) ؛ هي بلاد فرعون( {[2295]} ) " .

قوله : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) [ 60 ] .

أي فرضت ووضعت من قولهم : " ضَرَبْتُ عَلَى عَبْدِي( {[2296]} ) الخَرَاجَ ، وَضَرَبَ عَلَيَّ الأَمِيرُ الخَراج " أي [ فَرَضَهُ وَوَضَعَهُ ]( {[2297]} ) عَلَيَّ . وَضَرْبُ الذلةِ عليهم هو إعطاء الجزية عن( {[2298]} ) يد وهم صاغرون( {[2299]} ) .

والمسكنة الخشوع والذلة( {[2300]} ) . وقيل : الحاجة( {[2301]} ) .

وقيل : الفاقة والفقر( {[2302]} ) . فلست ترى يهودياً إلا وعليه الذلة والمسكنة ، وإن كان معه قناطير الذهب والفضة( {[2303]} ) .

قوله ( وَبَاءُو بِغَضَبِ ) [ 60 ] أي : رجعوا( {[2304]} ) به .

وقال الضحاك : " استحقوا غضباً( {[2305]} ) " .

قال أبو عبيدة : " يقال بُؤْتُ بالذنب أي : احتملته ولزمني ، وتَبوَّأتُ الدار لزمتها ، وبُؤْتُ بالشيء اعترفت به ، وبَوَّأْتُ القوم منزلاً إذا أنزلتهم إلى سند جبل أو عند نهر . فالاسم المباءة( {[2306]} ) " .

قوله ( بِآيَاتِ اللَّهِ )( {[2307]} ) [ 60 ] .

الآية طائفة من القرآن وجماعة/ ، يقال : " جئنا بآيتِنَا " ( {[2308]} ) أي : بجماعتنا .

وقيل( {[2309]} ) : سميت آية لأنها علامة الانفصال( {[2310]} ) مما قبلها( {[2311]} ) .

ووزن آية( {[2312]} ) عند الخليل/ وسيبويه : " فَعْلَةٌ " ، وأصلها " أبِيَةٌ " ، فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وهو نادر ، لأن أصله أن تعتل اللام وتسلم( {[2313]} ) العين ، فاعتلت( {[2314]} ) العين( {[2315]} ) وسلمت اللام( {[2316]} ) .

وقال الكسائي فيما حكى أبو بكر : " أصلها " آبِيَةٌ " مثل " مَاضِيَة " ، فكان يلزم الياءين( {[2317]} ) الإدغام فتصير " أيَّة " ( {[2318]} ) مثل " دَابَّة " ، فتثقل ، فحذفوا الياء الأولى " ( {[2319]} ) .

وقال الفراء : " أصلها فعلة ، وأصلها " أيّة " ( {[2320]} ) استثقلوا التضعيف فأبدلوا الياء ألفاً كما أبدلوا في التضعيف من " دِوَّانِ " و " قِرَّاطٍ " ياءً ومثله دِنَّار " ( {[2321]} ) .

وقد حكى غير أبي بكر عن بعض الكوفيين أن أصلها فعلة فاستثقل التضعيف فأعلت الأولى لانكسارها ، وتحرك ما قبلها فقلبت ألفاً( {[2322]} ) .


[2240]:- في ع2، ع3: يأكلونها.
[2241]:- في ع3: مالو قالوا. وهو تحريف.
[2242]:- في ع1، ق: خبر الجواري. وهو تصحيف. والحُوَّارَى الدقيق الأبيض. وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه. انظر: اللسان 2/751.
[2243]:- انظر: تفسير الثوري 45-46، وجامع البيان 2/127، والمحرر الوجيز 1/236.
[2244]:- في ع2، ق، ع3: يخبر. وهو تحريف.
[2245]:- انظر: جامع البيان 2/128، وتفسير ابن كثير 1/101.
[2246]:- انظر: جامع البيان 2/128، وتفسير ابن كثير 1/101.
[2247]:- انظر: جامع البيان 2/129.
[2248]:- في ع2، ع3: بن. وهو خطأ.
[2249]:- انظر: المحتسب 1/88.
[2250]:- انظر: تفسير الغريب 51.
[2251]:- في ع3: يبدل.
[2252]:- في ع2: بالفاء.
[2253]:- والجَدَفُ والجَدَثُ: القبر، ومنه قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ). [يس: 50]. انظر: اللسان 2/412.
[2254]:- والمغافير صمغ يسيل من شجر الرمط والعرفط، وهو حلو يؤكل ذو رائحة غير طيبة. انظر: اللسان 2/1001.
[2255]:- سقط من ع1، ع2، ق، ع3.
[2256]:- سقط من ع2. وفي ع1: بدل. وهو تصحيف.
[2257]:- انظر: هذا الاستدلال في معاني الفراء 1/41، وتفسير الغريب 51، واللسان 1/419.
[2258]:- في ح، ع3: موسى صلى الله عليه وسلم.
[2259]:- سقط لفظ الجلالة "الله" من ع2، ع3.
[2260]:- في ع2، ق، ع3: الغذاء.
[2261]:- في ح: يأتيهم.
[2262]:- في ق: يخبزون. وهو تصحيف.
[2263]:- في ع2، ح: أمروا.
[2264]:- في ق: لا. وهو تحريف.
[2265]:- في ع2: شام.
[2266]:- في ع3: الانقضاء. وهو خطأ.
[2267]:- المائدة آية 26.
[2268]:- في ع2: ماتوا.
[2269]:- في ق: أنباؤهم. وهو تصحيف.
[2270]:- سقط من ع1، ح، ق.
[2271]:- انظر: جامع البيان 2/130.
[2272]:- انظر: هذا التوجيه في البيان 1/86، والإملاء 1/39، وهو قول الزجاج في إعراب القرآن 1/181، والمحرر الوجيز 1/237، وتفسير القرطبي 1/428.
[2273]:- في ع3: من.
[2274]:- في ع2: ألف.
[2275]:- انظر: إعراب القرآن 1/181، والمحرر الوجيز 1/237، وتفسير القرطبي 1/428.
[2276]:- في ع3: معناه.
[2277]:- في ق: الآخر. وهو تحريف.
[2278]:- انظر: معاني الفراء 1/42، ومشكل الإعراب 1/38، والبيان 1/39.
[2279]:- انظر: المحتسب 1/88.
[2280]:- في ق: مجاهد. وهو تصحيف.
[2281]:- في ع3: أدى. وانظر: قول مجاهد في جامع البيان 2/132.
[2282]:- في ق: كم غلبت. وهو تحريف.
[2283]:- في ع3: انقلب.
[2284]:- سقط من ق.
[2285]:- في ع3: لتصرفها.
[2286]:- في ع2، ع3: مصر.
[2287]:- في ع3: مصر.
[2288]:- انظر: مجاز القرآن 1/42، وجامع البيان 2/133، والمحرر الوجيز 1/238، والدر المنثور 1/178.
[2289]:- انظر: جامع البيان 2/134، والمحرر الوجيز 1/239.
[2290]:- في ع2، ع3: مصراً.
[2291]:- انظر: المحرر الوجيز 1/239، وتفسير ابن كثير 1/101.
[2292]:- انظر: جامع البيان 2/134.
[2293]:- هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي، أبو عمرو المصري يقال: اسمه مسكين. فقيه، ثقة، روى عن مالك. انظر: وفيات الأعيان 1/238-239، وتقريب التهذيب 1/80.
[2294]:- في ق: رأي. وهو تحريف.
[2295]:- انظر: المحرر الوجيز 1/289، وتفسير القرطبي 1/429.
[2296]:- في ع3: عبد.
[2297]:- في ع1، ع2، ق، ع3: فرضت ووضعت.
[2298]:- في ع2: من.
[2299]:- وهو قول الحسن وقتادة في جامع البيان 2/137.
[2300]:- انظر: اللسان 2/176.
[2301]:- وهما قولا أبي العالية كما في المحرر الوجيز 1/240.
[2302]:- المصدر السابق.
[2303]:- انظر: تفسير القرطبي 1/430.
[2304]:- في ع2: رفعوا. وهو تحريف.
[2305]:- انظر: جامع البيان 2/138.
[2306]:- انظر: اللسان 1/283.
[2307]:- سقط من ع2.
[2308]:- سقط من ع2، ع3.
[2309]:- في ع3: قيلت. وهو تحريف.
[2310]:- في ح: للانفصال. وفي ع3: لا انفصال.
[2311]:- انظر: تفسير القرطبي 1/66، واللسان 1/141.
[2312]:- في ع2، ع3: الآية.
[2313]:- في ع3: تعلم. وهو تحريف.
[2314]:- في ع2، ع3: واعتلت.
[2315]:- سقط من ق.
[2316]:- انظر: تفسير القرطبي 1/66، واللسان 1/140.
[2317]:- في ق: الياءان. وهو خطأ.
[2318]:- في ع3: الآية.
[2319]:- انظر: تفسير القرطبي 1/66.
[2320]:- في ع1، ع2، ع3: آنه.
[2321]:- انظر: المصدر السابق. وقد قيل في "ديوانٌ وقِرَّاط ودِنَّار": "ديوانْ وقِيراطٌ ودِينَارٌ".
[2322]:- انظر: اللسان 1/140.