قوله : ( مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا ) [ 60 ] الآية .
لما فقدوا أطعماتهم التي كانوا يأكلون( {[2240]} ) بمصر ، ولزموا شيئاً واحداً [ ملّوا وقالوا( {[2241]} ) ] ذلك .
ومن قال إن المن [ خُبْز الحُوّارَى ] ( {[2242]} ) ، كان قوله " أدنى " بمعنى أقرب . وقال عطاء ومجاهد : " الفوم : الخبز " ( {[2243]} ) .
وقال قتادة والحسن : " الفوم : الحب الذي يختبز( {[2244]} ) الناس " ( {[2245]} ) .
وعن ابن عباس قال : " الفوم : الحنطة والخبز " ( {[2246]} ) .
وروي عن مجاهد قال : " هو الثوم " ( {[2247]} ) . وهو اختيار ابن( {[2248]} ) قتيبة ، وهو فيم صحف ابن مسعود : " وثُومِهَا " بالثاء . فهذا يدل على أنها الثوم( {[2249]} ) . وذكر ابن قتيبة : " أن الفوم : الحبوب " ( {[2250]} ) .
والعرب تبدل( {[2251]} ) الثاء [ من الفاء ]( {[2252]} ) يقولون : جَدَفٌ( {[2253]} ) وَجَدَثٌ ، وَمَغَافِيرٌ( {[2254]} ) وَمَغَاثِيرٌ . [ فهذا ]( {[2255]} ) يدل( {[2256]} ) على أنه الثوم( {[2257]} ) .
وروي أن الفوم : القمح والعدس وسائر الحبوب ؛ وذلك أنهم لما سلكوا التيه مع موسى( {[2258]} ) شكوا الحر ، فظلل الله عليهم الغمام يقيهم الحر ، وجعل لهم عموداً من نار بالليل يضيء لهم مكان القمر ، وأنز الله( {[2259]} ) عليهم المن والسلوى ، فيأخذون منه قوتهم للغذاء( {[2260]} ) والعشاء ، فمن زاد على ذلك فسدت عليه الزيادة . وكانوا يأخذون يوم الجمعة للجمعة والسبت إذ لا يأتيهم( {[2261]} ) يوم السبت ، وكانوا يخبزون( {[2262]} ) المن قرصاً ، فيأكلون طعاماً مثل الشهد المعجون بالسمن .
وروي أنهم نزل عليهم المن أولاً ، فملوه لحلاوته ، وسألوا لحماً فأنزل الله عليهم طيراً تجلبه عليهم ريح الجنوب ، وأمر( {[2263]} ) ألا( {[2264]} ) يدخروا من لحمه فخالفوا فادخروا ، فخنز عليهم وفسد .
فيروى أنه لولا ذنوب بني إسرائيل ما فسد الطعام المدخر .
وقيل : كانت السلوى تقع في مجالسهم كهيئة السماني ، فملوا ذلك وسألوا القمح والحبوب والبصل ، فأمروا أن يهبطوا مصر وهي الشام( {[2265]} ) ، لأنهم من مصر خرجوا ، فهبطوا إلى الشام بعد انقضاء( {[2266]} ) الأربعين عاماً التي عوقبوا بها في التيه لتخلفهم عن قتال الجبارين ، ولقولهم لموسى صلى الله عليه وسلم : ( فَاذْهَبْ اَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )( {[2267]} ) . ولم يدخل الشام أحد ممن أمر بقتال الجبارين ، بل كلهم مات( {[2268]} ) في التيه ، وإنما دخلها أبناؤهم( {[2269]} ) .
قوله( {[2270]} ) : / ( قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ) [ 60 ] .
هو من قول موسى صلى الله عليه وسلم( {[2271]} ) . و " أدنى " بمعنى أقرب أي أقل قيمة( {[2272]} ) .
وقال علي/ بن سليمان : " أدنى من ذوات الهمز من قولهم : " دَنِيءٌ بَيِّنُ( {[2273]} ) الدَّنَاءَةِ " ، أبدل من الهمزة ألفاً( {[2274]} ) " ( {[2275]} ) .
وقيل : معنى( {[2276]} ) " أدنى " : أقرب لكم في الدنيا مما هو لكم في الآخرة( {[2277]} ) ، فيكون من " دنا يدنو " ( {[2278]} ) . وقد قرئ بالهمز( {[2279]} ) .
وقال مجاهد( {[2280]} ) : " أدنى بمعنى : " أَرْدَأَ " ( {[2281]} ) " .
وقيل : أصله " أدون " من الدون [ ثم قلبت ] ( {[2282]} ) اللام في موضع العين ، وانقلب( {[2283]} ) الواو( {[2284]} ) ألفا لتطرفها( {[2285]} ) .
قوله : ( اهْبِطُوا مِصْراً )( {[2286]} ) [ 60 ] .
قال مجاهد وقتادة وغيرهما : " مصراً( {[2287]} ) من الأمصار( {[2288]} ) " .
وقال أبو العالية : " مصر هي التي كان بها فرعون( {[2289]} ) " . وقاله الكسائي ، وفي قراءة أُبَيّ وابن مسعود : " اهْبِطُوا مصر( {[2290]} ) " بغير صرف معرفة( {[2291]} ) . وقيل : هي الشام( {[2292]} ) .
وروى أشهب( {[2293]} ) عن مالك أنه قال له : " هي مصر قريتك في رأيي( {[2294]} ) ؛ هي بلاد فرعون( {[2295]} ) " .
قوله : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) [ 60 ] .
أي فرضت ووضعت من قولهم : " ضَرَبْتُ عَلَى عَبْدِي( {[2296]} ) الخَرَاجَ ، وَضَرَبَ عَلَيَّ الأَمِيرُ الخَراج " أي [ فَرَضَهُ وَوَضَعَهُ ]( {[2297]} ) عَلَيَّ . وَضَرْبُ الذلةِ عليهم هو إعطاء الجزية عن( {[2298]} ) يد وهم صاغرون( {[2299]} ) .
والمسكنة الخشوع والذلة( {[2300]} ) . وقيل : الحاجة( {[2301]} ) .
وقيل : الفاقة والفقر( {[2302]} ) . فلست ترى يهودياً إلا وعليه الذلة والمسكنة ، وإن كان معه قناطير الذهب والفضة( {[2303]} ) .
قوله ( وَبَاءُو بِغَضَبِ ) [ 60 ] أي : رجعوا( {[2304]} ) به .
وقال الضحاك : " استحقوا غضباً( {[2305]} ) " .
قال أبو عبيدة : " يقال بُؤْتُ بالذنب أي : احتملته ولزمني ، وتَبوَّأتُ الدار لزمتها ، وبُؤْتُ بالشيء اعترفت به ، وبَوَّأْتُ القوم منزلاً إذا أنزلتهم إلى سند جبل أو عند نهر . فالاسم المباءة( {[2306]} ) " .
قوله ( بِآيَاتِ اللَّهِ )( {[2307]} ) [ 60 ] .
الآية طائفة من القرآن وجماعة/ ، يقال : " جئنا بآيتِنَا " ( {[2308]} ) أي : بجماعتنا .
وقيل( {[2309]} ) : سميت آية لأنها علامة الانفصال( {[2310]} ) مما قبلها( {[2311]} ) .
ووزن آية( {[2312]} ) عند الخليل/ وسيبويه : " فَعْلَةٌ " ، وأصلها " أبِيَةٌ " ، فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وهو نادر ، لأن أصله أن تعتل اللام وتسلم( {[2313]} ) العين ، فاعتلت( {[2314]} ) العين( {[2315]} ) وسلمت اللام( {[2316]} ) .
وقال الكسائي فيما حكى أبو بكر : " أصلها " آبِيَةٌ " مثل " مَاضِيَة " ، فكان يلزم الياءين( {[2317]} ) الإدغام فتصير " أيَّة " ( {[2318]} ) مثل " دَابَّة " ، فتثقل ، فحذفوا الياء الأولى " ( {[2319]} ) .
وقال الفراء : " أصلها فعلة ، وأصلها " أيّة " ( {[2320]} ) استثقلوا التضعيف فأبدلوا الياء ألفاً كما أبدلوا في التضعيف من " دِوَّانِ " و " قِرَّاطٍ " ياءً ومثله دِنَّار " ( {[2321]} ) .
وقد حكى غير أبي بكر عن بعض الكوفيين أن أصلها فعلة فاستثقل التضعيف فأعلت الأولى لانكسارها ، وتحرك ما قبلها فقلبت ألفاً( {[2322]} ) .