الآية 60 وقوله تعالى : ( وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر ) يعني طلب الماء لقومه عند حاجتهم إليه ، فأوحى الله تعالى إليه ( أن اضرب بعصاك الحجر ) [ الأعراف : 160 ] قد ذكرنا في ما تقدم{[858]} أن الله عز وجل قد أراه من عصاه آيات عجيبة من نحو الثعبان الذي كان يتلقف ما يأفكون كقوله : ( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ) [ الشعراء : 45 ] وقوله : ( فإذا هي ثعبان مبين ) [ الشعراء : 32 ] ، ومن ضربه البحر بها حتى انفلق كقوله : ( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ){[859]} [ الشعراء/ 63 ] ، أو من ضربه الحجر بها وانفجار العيون منه ، وغير ذلك من الآيات مما يكثر ذكرها عز وجل من آيات رسالته وآيات نبوته .
وفي ما أرى منها من عجيب آياته دلالة حدث العالم وإبداعه [ من لا ]{[860]} شيء ؛ لأنه عز وجل قد أخرج بلطفه من حجر{[861]} ، يصغر في نفسه مما يحمل [ من مكان إلى مكان ]{[862]} من الماء ما يكفي الخلق ، لا يحصى عددهم [ إلا الله ]{[863]} ، [ وفجر ]{[864]} منه أنهارا ، لكل فريق نهر على حدة . ثم لا يحتمل كون ذلك الماء بكليته فيه لصغره وخفته ، ولا كان ينبغي ذلك من أسفله .
فإذا كان [ هذا ]{[865]} كما ذكرنا ظهر{[866]} أن الله عز وجل كان ينشئ ذلك الماء فيه ، ويحدث من لا شيء ، لأن ذلك الحجر لم يكن في جوهر الماء ولا من أصله . فإذا كان قادرا على [ هذا فإنه لقادر ]{[867]} على إنشاء العالم [ من لا ]{[868]} شيء سبق ولا أصل تقدم . وكذلك ما أراهم عز وجل من العصا الثعبان والحية ؛ لم يكونا{[869]} من جوهرها ولا من أصلها ، ولا تولدهما{[870]} منها ، بل أنشأ ذلك ، وأبدع بلطفه ، والله الموفق .
وقوله : ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) قيل : كانوا اثني عشر سبطا لقوله : {[871]} ( وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا ) [ المائدة : 12 ] وهم بنو يعقوب ، فجعل لكل سبط نهرا على حدة ، فانضم كل فريق إلى أبيهم{[872]} الذي كانوا منه ، ولم ينضموا{[873]} إلى أعمامهم وبني أعمامهم ؛ ففيه أن المواريث لا تصرف إلى غير الآباء إلا بعد انقطاع أهل الاتصال بالآباء ، وفيه دلالة أن القوم في الصحارى [ والبراري ينزلون ]{[874]} مجموعين غير متفرقين ولا متباعدين بعضهم عن بعض [ بحيث يكون بعضهم ]{[875]} عونا لبعض وظهيرا لأنهم نزلوا جميعا في موضع واحد مجموعين مع كثرتهم وازدحامهم غير متفرقين ولا متباعدين ، وإن كان ذلك أنفع لهم وأهون عليهم من جهة الرعي والريع وسعة المنازل ، وفي الأول سبق المعنى الذي وصفنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( قد علم كل أناس مشربهم ) أي موردهم . وفيه دلالة قطع التنازع ورفع الاختلاف من بينهم لما بين لكل فريق منهم موردا على حدة . ولو كان مشتركا لخيف وقوع التنازع والاختلاف بينهم ؛ وفي وقوع ذلك بينهم قطع الأنساب والأرحام ، وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : ( كلوا ) يعني المن والسلوى . وقوله : ( واشربوا من رزق الله ) من الماء الذي أخرج لكم من الحجر . وكلاهما رزق الله الذي ساقه إليهم من غير تكلف ولا مشقة .
وقوله تعالى : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) قيل : لا تسعوا في الأرض بالفساد . ويحتمل ( ولا تعثوا ) أي لا تفسدوا لأن العثو هو الفساد نفسه ؛ كأنه قال : لا تفسدوا في الأرض ، وتكونوا مفسدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.