تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { ولقد آتينا داود منا فضلا } أي علما كقوله : { ولقد آتينا داود وسليمان علما } [ النمل : 15 ] . وقال بعضهم : { فضلا } أي نبوّة . وقال بعضهم الفضل ، هو المُلك الذي آتاه الله .

وجائز أن يكون ما ذكر من الفضل أنه آتاه ، هو ما ذكر على إثره من تسخير الجبال والطير والتسبيح معه وإلانة الحديد له بلا نار ولا شيء حتى اتّخذ منه ما شاء أن يتخذ من الدروع{[16920]} وآلات الحرب ، وقد آتى الله داوود من الفضل ما لو تكلّفنا عدّه وإحصاءه ما قدرنا عليه .

وقوله تعالى : { يا جبال أوّبي معه } قيل : سبّحي معه .

وقوله تعالى : { والطير } من نصب الطير جعلها مسخَّرة له ، كأنه قال : سخّرنا له الطير ، ومن رفعها جعله على النداء : يا طير{[16921]} أوّبي معه ، أي سبّحي معه .

ثم اختلف في تسبيح الجبال والطير : قال بعضهم : تسبيح خلقة لا تسبيح قول ونطق لما جعل في خلقة كل شيء الشهادة له بالوحدانية والألوهية .

لكن ذكر ههنا : أن سبّحي معه . ولو كان تسبيح خِلقة لم يكن لذكر التسبيح مع داوود فائدة لأن تسبيح الخِلقة ، يكون كان معه داوود ، أو لم يكن .

ولكن جائز أن يجعل الله تعالى في سرّيّة{[16922]} الجبال من التسبيح ما يفهم منها داوود ، ولم يفهم ذلك غيره على ما ذكرنا في قيل النملة لسائر النمل حين{[16923]} : { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده } الآية [ النمل : 18 ] جعل الله تعالى في سرّية النمل معنى ، ألقى ذلك في مسامع سليمان ، ففهم منها ذلك ، ولم يلق{[16924]} ذلك في مسامع غيره من الجنود .

فعلى ذلك تسبيح الجبال والطير ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وألنّا له الحديد } جعل له آية لنبوّته لما ألان الحديد بلا نار ولا سبب يُليّنه حتى كان يعمل منه ما شاء ، ولم يجعل في وسع أحد من الخلائق سواه استعمال الحديد إلا بالنار وأسباب أُخر ليكون له في ذلك آية .


[16920]:في الأصل وم: الدرع.
[16921]:انظر معجم القراءات القرآنية ج 5/146.
[16922]:في الأصل وم: سيرته.
[16923]:في الأصل وم: حيث قال.
[16924]:من م، في الأصل: يبق.