تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا} (119)

الآية 119

وقوله تعالى : { ولأضلنهم ولأمنينهم } الآية : قيل : هذا إخبار عن الله تعالى عبادة عن صنيع اللعين لتكونوا على حذر منه . ثم قوله : { ولأضلنهم } ليس على حقيقة الإضلال وتزيين{[6547]} عليهم طريقة وإلباس{[6548]} عليهم طريق الهدى . فذلك معنى إضافة الإضلال إليه . وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة كقوله تعالى : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم } ( إبراهيم : 22 ) ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيلا يمنعهم عند ذلك حتى يمتنوا أشياء كقولهم : { وقال الذين / 114-ب/ كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه } الآية : ( الأحقاف : 11 ) وكقوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم } ( البقرة : 111 ) ونحو ذلك من الآيات ، وذلك مما يمنيهم الشيطان ، لعنة الله عليه .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ( { ولأضلنهم } يعني عن الدين{ ولأمنينهم } أن يصيبوا خيرا لا محالة ليأمنوا ) . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( ولأعذبنهم ، ولأمنينهم ، ولأحرمن{[6549]} عليهم الأنعام ، ولآمرنهم فليبدلن خلقك ) .

وقوله تعالى : { ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } فيجعلوها نحرا للأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها .

وقوله تعالى : { ولأمرنهم فليغيرن خلق الله } يحتمل هذا وجهين سوى ما قال أهل التأويل :

أحدهما : أن الله تعالى خلق هذا الخلق ليأمرهم بالتوحيد ، وليجعلوا عبادتهم له ؛ لا يعبدون دون الله غيره كقوله تعالى : { وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون } { ما أريد منهم } الآية ( الذاريات : 56و 57 ) فهو دعاهم {[6550]} أن يجعلوا عبادتهم لغير الله ، وهو ما قيل في قوله عز وجل : { فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }( الروم : 30 ) ، قيل : الدين لله . فعلى ذلك يحتمل قوله تعالى : { فليغيرن خلق الله } أي عن الذي كان خلقه إياهم لذلك ، والله أعلم .

والثاني : أنه عز وجل ، خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم ، وسخرها لهم ، فهم حرموها على أنفسهم ، وجعلوها للأوثان والأصنام كالجهيرة والسائبة والوصيلة والحام ؛ ضيعوا منافعها التي خلقها لهم على {[6551]} أنفسهم ؛ وذلك تغيير ما خلق الله لهم ، والله أعلم .

وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا . ( قال ){[6552]} بعضهم : قوله تعالى : { فليغيرن خلق الله } الإخصاء ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ، وقال آخرون : هو دين الله . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا( أنه قال : ( دين الله ) ){[6553]} . وقيل : هو ماجاء من النهي عن( عمل ){[6554]} الواشرة والنامصة والمتفلجة والواصلة والواشمة ، ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق الله ما قالوا من الإخصاء أو المثلة ( وعمل ){[6555]} الواشرة والنامصة ؛ كأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظرة إلى يوم البعث ، ولا يحتمل له علم ما{[6556]} لا يحل هذا أو النهي ، عن مثله ، إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله ، لذلك بعد هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله } أي يطيعه ، ويجيبه إلى ما دعاه ، ويعبده{[6557]} { من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } ( في الدنيا ){[6558]} والآخرة . أما في الدنيا فذهاب المنافع عنه{[6559]} التي جعلها{[6560]} للأصنام والأوثان ، وفي الآخرة العقوبة .


[6547]:في الأثل وم: ويزين.
[6548]:في اًل وم: ويلبس.
[6549]:في الأصل وم: ولا حرم.
[6550]:في الأصل وم: دعاؤهم.
[6551]:في الأصل وم:عن.
[6552]:من م، ساقطة من الأصل.
[6553]:في الأصل وم: دين.
[6554]:ساقطة من الأصل وم.
[6555]:في الأصل وم: و.
[6556]:في الأصل وم: أن.
[6557]:في الأصل وم: ويعبدوه.
[6558]:من م، ساقطة من الأصل.
[6559]:في الأصل وم: عنهم.
[6560]:في الأصل وم: جعلوها.