وقوله تعالى : { ولأضلنهم ولأمنينهم } الآية : قيل : هذا إخبار عن الله تعالى عبادة عن صنيع اللعين لتكونوا على حذر منه . ثم قوله : { ولأضلنهم } ليس على حقيقة الإضلال وتزيين{[6547]} عليهم طريقة وإلباس{[6548]} عليهم طريق الهدى . فذلك معنى إضافة الإضلال إليه . وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة كقوله تعالى : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم } ( إبراهيم : 22 ) ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيلا يمنعهم عند ذلك حتى يمتنوا أشياء كقولهم : { وقال الذين / 114-ب/ كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه } الآية : ( الأحقاف : 11 ) وكقوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم } ( البقرة : 111 ) ونحو ذلك من الآيات ، وذلك مما يمنيهم الشيطان ، لعنة الله عليه .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( { ولأضلنهم } يعني عن الدين{ ولأمنينهم } أن يصيبوا خيرا لا محالة ليأمنوا ) . وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( ولأعذبنهم ، ولأمنينهم ، ولأحرمن{[6549]} عليهم الأنعام ، ولآمرنهم فليبدلن خلقك ) .
وقوله تعالى : { ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } فيجعلوها نحرا للأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها .
وقوله تعالى : { ولأمرنهم فليغيرن خلق الله } يحتمل هذا وجهين سوى ما قال أهل التأويل :
أحدهما : أن الله تعالى خلق هذا الخلق ليأمرهم بالتوحيد ، وليجعلوا عبادتهم له ؛ لا يعبدون دون الله غيره كقوله تعالى : { وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون } { ما أريد منهم } الآية ( الذاريات : 56و 57 ) فهو دعاهم {[6550]} أن يجعلوا عبادتهم لغير الله ، وهو ما قيل في قوله عز وجل : { فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم }( الروم : 30 ) ، قيل : الدين لله . فعلى ذلك يحتمل قوله تعالى : { فليغيرن خلق الله } أي عن الذي كان خلقه إياهم لذلك ، والله أعلم .
والثاني : أنه عز وجل ، خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم ، وسخرها لهم ، فهم حرموها على أنفسهم ، وجعلوها للأوثان والأصنام كالجهيرة والسائبة والوصيلة والحام ؛ ضيعوا منافعها التي خلقها لهم على {[6551]} أنفسهم ؛ وذلك تغيير ما خلق الله لهم ، والله أعلم .
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا . ( قال ){[6552]} بعضهم : قوله تعالى : { فليغيرن خلق الله } الإخصاء ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ، وقال آخرون : هو دين الله . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا( أنه قال : ( دين الله ) ){[6553]} . وقيل : هو ماجاء من النهي عن( عمل ){[6554]} الواشرة والنامصة والمتفلجة والواصلة والواشمة ، ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق الله ما قالوا من الإخصاء أو المثلة ( وعمل ){[6555]} الواشرة والنامصة ؛ كأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظرة إلى يوم البعث ، ولا يحتمل له علم ما{[6556]} لا يحل هذا أو النهي ، عن مثله ، إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله ، لذلك بعد هذا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله } أي يطيعه ، ويجيبه إلى ما دعاه ، ويعبده{[6557]} { من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } ( في الدنيا ){[6558]} والآخرة . أما في الدنيا فذهاب المنافع عنه{[6559]} التي جعلها{[6560]} للأصنام والأوثان ، وفي الآخرة العقوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.