تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيۡهِمۡ كِتَٰبٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا} (153)

الآية 153

وقوله تعالى : { يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } قيل في أحد التأويلين : كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله سبحانه وتعالى : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة } { كلا } ( المدثر : 25و35 ) وكقوله تعالى : { ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه } ( الإسراء : 93 ) قيل : سألوا أن يأتيهم بكتاب{ جملة } مثل التوراة مثل قولهم { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } ( الفرقان : 32 ) كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة ؛ أنها{[6750]} غير متفرقة ، فأخبر أنهم{ سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } ( النساء : 153 ) وقد سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم مثل السؤال أولئك موسى ، وهو قوله تعالى { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } ( الفرقان : 21 ) يعزي عز وجل صلى الله عليه وسلم ويصبره على أذاهم بقوله ، والله أعلم : إنهم سألوا آيات على رسالته ، فأتى بها ، فلم يؤمنوا به ؛ يخبر أن سؤالهم سؤال تعنت لا سؤال استرشاد لأن سؤالهم لو كان{[6751]} سؤال استرشاد لكانوا{[6752]} إذا أوتوا بها قبلوها . ولذلك أخذهم العذاب بقوله تعالى : { فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } لأنهم كانوا يسألون سؤال تعنت لا سؤال رشد .

وفي الآية دلالة أن المسؤول لا يلزم الدليل على شهوة السائل وإرادته ، ولكن يلزم أن يأتي بما هو دليل في نفسه . وفيها{[6753]} دلالة أيضا أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب لأنه قال : { يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } ولم يخطر ببال أحد أنه أراد المجوس بقوله تعالى : { أهل الكتاب } والله أعلم .

وقوله تعالى : { فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } والصاعقة هي العذاب الذي فيه الهلاك ، وقد ذكرنا في ما تقدم ، وإنما أخذهم العذاب بكفرهم بموسى بعد ما أتاهم موسى عليه السلام بآيات الرسالة لا بسؤالهم{[6754]} الرؤية لأنه لو كان ما أخذهم بسؤال الرؤية لكان موسى بذلك أولى حين{ قال رب أرني أنظر إليك } ( الأعراف : 143 ) فدل أن العذاب إنما أخذهم بتعنتهم وبكفرهم بعد ظهور الآيات لهم أنه رسول الله ؛ وذلك قوله تعالى : { ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات } يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عن شدة تعنتهم في تكذيب الرسل وكثرة تمردهم وسفههم ليصبر على أذى قومه ، ولا يظن أنه أول مكذب من الرسل .

وقوله تعالى : { وآتينا موسى سلطانا /119-أبينا } قيل : السلطان المبين يحتمل الآيات التي أراهم ما يعقل كل أحد ، إن لم يعاند ، ولم {[6755]} يكابر ، أنها سماوية ؛ إذ هي كانت محادة عن الأمر المعتاد بين الخلق من نحو اليد البيضاء والعصا وفرق البحر وغير ذلك .


[6750]:في الأصل وم: لأنهم.
[6751]:من م، في الأصل: كانوا.
[6752]:في الأصل وم: لكان.
[6753]:في الأصل وم: وفيه.
[6754]:في الأصل وم: سؤالهم.
[6755]:في الأصل وم: ولما.