الآية 17 وقوله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } يحتمل قوله : { إنما التوبة على الله للذين } كذا ، أي توفيق التوبة وهدايته على الله سبحانه وتعالى إذا كانت نفسه ترغب فيها وتميل إليها ، على الله توفيقه{[5075]} على ذلك إذا علم الله منه أنه يتوب ويحتمل قوله : { إنما التوبة على الله } سبحانه وتعالى إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه .
وفي قوله أيضا : { إنما التوبة على الله للذين } ( لمن ذكر ) {[5076]} يحتمل قبولها ( بوجهين :
الأول ) {[5077]} : بمعنى أن الذي لا يسوف التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن وجوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب لله{[5078]} فالله يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته وإن بلغ ذلك الضيق بأمر دفع إليه أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به فيترك الرجوع لقلة مبالاته به فلا يقبلها ممن وصف توبته وحال استخفافه بالذنب .
والثاني : أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه على الرجوع إلى الله والتعرض لرحمته وإحسانه . ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه . وقيل : ( حال ){[5079]} الأول في الصغائر والثاني : في الكبائر والثالث{[5080]} في الكفر فإن صاحب الصغير ة أرق قلبا وأخلص{[5081]} ذكرا له ورجوعا إلى ربه ، وصاحب الكبيرة أقسى قلبا من الأول وأظلم فهو لا يندم إلا بعد شدة وبعد طول المحنة وضيق القلب ، قيل{[5082]} فليس على الله قبول توبة من يتوب في تلك الحال ولا توبة من بان منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك ، ولكن يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هن أسباب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والكافر لا يقبلها إذ هو لا يتوب حتى يموت فيستيقن بالعذاب والله أعلم .
ويحتمل أن تكون هذه الآخرة في الكفار فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال يزول عنه وضع الإمكان ويأس من الإمهال ويصل إلى ماله كان يذنب فالله لا يقبل توبته إذ ليست في الحقيقة توبة متمكن{[5083]} بل توبة مضطر أو توبة دفع ما حل به ، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمل والنظر ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يعلمون السوء بجهلة } هذا أيضا يحتمل وجهين : يحتمل جهل الفعل فيقع فيه من غير قصد ويحتمل قصد الفعل والجهل بموقع الفعل . والعمل بجهالة يخرج على وجوه : يكون عن غلبة تغلب عليه شهوته فيعمل ذلك العمل على طمع منه انه سيتوب من بعد ويصير رجلا صالحا على ما فعل إخوة يوسف حين قالوا : { اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين } ( يوسف 9 ) ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى حيث قال لهم : { قال هل علمتم / 85- أا فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون } ( يوسف 89 ) . د
ويحتمل العمل بجهالة جهالة عقوبة عمله على ذلك . وكذلك الخطأ والنسيان ( الخطأ ){[5084]} على وجهين : خطأ الفعل وهو الذي ليس بصواب ولا رشد ، وخطأ القصد عند الفعل وهو الذي قصد أمرا{[5085]} فأصاب غيره النسيان على وجهين أيضا : نسيان ترك وهو الذي يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه وتعالى من هذا الوجه ( و نسيان عمد ) {[5086]} .
وقيل : نزل قوله تعالى : { إنما التوبة على الله الذين يعملون السوء بجهلة } الآية في المؤمنين وقوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } على آخر الآية ( النساء 18 ) في الكافرين وقيل : إنهما جميعا في المؤمنين ، والثالثة{[5087]} في الكفار . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5088]} قال : " من تاب قبل أن تغرغر نفسه ويعاين الملائكة قبل الله توبته " ( أحمد 5/ 362 ) .
والأصل في هذا أن توبة الكافر ( تقبل إذا كانت ) {[5089]} توبة اختيار . وأما إذا كانت توبته اضطرارا ودفع فإنها لا تقبل أبدا كقوله تعالى : " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } ( الأنعام 158 ) إذا كان إيمانه إيمان دفع واضطرار عند معاينة العذاب فإنه لا يقبل أبدا وهو أيضا كإيمان فرعون حين قال : { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إلاه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } الآية ( يونس 90 ) لم يقبل إيمانه لأنه إيمان دفع واضطرار .
فعلى ذلك كل إيمان دفع واضطرار ، فإنه لا يقبل أبدا ( وهو كقوله ) {[5090]} { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } ( غافر 84 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.