الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (17)

قوله : ( اِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ) الآية [ 17 ] .

معناها عند الطبري( {[11868]} ) : أن التوبة ليست لأحد إلا الذين يعملون السوء ، وهم جهال : ثم يتوبون قبل الموت ، فإن الله يتوب عليهم ، وأكثر الصحابة على أن كل ذنب فعله الإنسان فعل جهالة عمداً كان أو غير عمد( {[11869]} ) .

قال مجاهد : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى يتوب عن ذلك( {[11870]} ) ، وعلى ذلك أكثر التابعين وأهل التفسير .

وقد قال الضحاك : إن الجهالة : العمد خاصة( {[11871]} ) وروي مثله عن مجاهد( {[11872]} ) .

وقال عكرمة : الجهالة : الدنيا( {[11873]} ) . فالمعنى على قوله : للذين يعملون السوء في الدنيا ، وقال : الدنيا كلها جهالة( {[11874]} ) .

وقيل معنى : ( ءَبِجَهَالَةٍ ) أي : بجهالة منهم لما في الذنب من العقاب عمدوا ذلك أو جهلوه( {[11875]} ) . وقيل : الجهالة أن يعمل المعصية وهو يعلم أنها معصية ، فإن لم يعلم ذلك ، فهو خطأ وليست بجهالة( {[11876]} ) .

قوله : ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيب ) الآية [ 17 ] .

أي : في صحة لا مرض فيها قبل نزول إمارات( {[11877]} ) الموت ، قاله ابن عباس والسدي وغيرهما( {[11878]} ) ، وقيل : المعنى من قبل معاينة الموت ( وروي ذلك عن ابن عباس ، وقاله الضحاك( {[11879]} ) ، وقال عكرمة وابن زيد " من قريب " من قبل الموت( {[11880]} ) )( {[11881]} ) .

وقد روى قتادة عن أبي قلابة( {[11882]} ) أنه قال : ذكر لنا أن إبليس لعنه الله لما لعن وأُنظْر قال : وعزتك لا( {[11883]} ) أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ، قال الله عز وجل : لا أمنعه( {[11884]} ) التوبة ما دام فيه الروح( {[11885]} ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر( {[11886]} ) " .

وقال أهل المعاني : " ثُمّ يثوبون " قبل مماتهم في الحال التي يفهمون فيها أمر اله عز وجل ونهيه ، وقبل أن يغلبوا على أنفسهم وعقولهم ( فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) أي : يرزقهم إنابة إلى طاعته ويتقبل منهم توبتهم إليه( {[11887]} ) .

قال الأخفش : قال إني تبت الآن " تمام( {[11888]} ) وخولف في ذلك لأن و( الذِينَ يَمُوتُونَ ) عطف على( {[11889]} ) " الذين " الأول( {[11890]} ) .


[11868]:- انظر: جامع البيان 4/298.
[11869]:- انظر: المصدر السابق. والدر المنثور 2/459.
[11870]:- انظر: تفسير مجاهد 1/149.
[11871]:- لم يرد في كلام العربي تسمية العامد للشيء الجاهل به، إلا أن يكون معنياً أنه جاهل بقدر منفعته أو مضرته. انظر: جامع البيان 4/299-302، والبحر 3/198.
[11872]:- انظر: تفسير مجاهد 1/149 وتفسير سفيان 92.
[11873]:- انظر: جامع البيان 4/300.
[11874]:- يريد الخاصة بها، والخارجة عن طاعة الله فكأن الجهالة اسم للحياة الدنيا وهو ضعيف. انظر: المحرر 4/54 والدر المنثور 2/459.
[11875]:- ذكره الطبري ولم ينسبه. انظر: جامع البيان 4/300 ونسب إلى ابن فورك في المحرر 4/54.
[11876]:- انظر: جامع البيان 4/300.
[11877]:- (ج): أمارة.
[11878]:- جامع البيان 4/300.
[11879]:- المصدر السابق.
[11880]:- المصدر السابق.
[11881]:- ساقط من (أ) (ج).
[11882]:- هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي توفي 104 هـ تابعي ثقة من رجال الحديث. انظر: تاريخ الثقات 257 والتهذيب 5/224.
[11883]:- (ج): لا خرج وهو خطأ.
[11884]:- ساقط من (أ) (ج).
[11885]:- (ج): لا أمنعه وهو خطأ أيضاً.
[11886]:- هو خبر مرسل. انظر: تفسير ابن كثير 1/465 وذكر أنه جاء نحوه عن ابن سعيد الخدري عند الإمام أحمد في المسند والدر المنثور 2/460، يغرغر من الغرغرة وهو أن يجعل الشرب في الفم ويردد إلى أقصى الحلق ولا يبلع، شبه تردد الروح قبل خروجها بما يتغرغر به المريض. انظر: اللسان (غرغر) 5/20.
[11887]:- خرجه ابن ماجه في كتاب الزهد 2/[ويقول المدقق]: وأخرجه أحمد في المسند (6610 و6408) مرفوعاً من حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو حديث صحيح، ورواه الترمذي (3460) وقال: حسن غريب، وهو عند الحاكم من المستدرك وهي ابن حبان وغيرهم 1420 والسيوطي في الجامع الصغير.
[11888]:- انظر: القطع 248.
[11889]:- (أ): عطف عن الذين.
[11890]:- التقدير (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِئَاتِ) (وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)، والتمام (أوْلاَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِيماً). انظر: القطع 248 وإيضاح الوقف 2/595.