تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { قل ما كنت بدعا من الرسل } كان هذا إنما ذكر ، والله أعلم ، لإنكار أهل مكة الرسل من البشر واستعظامهم وضع الرسالة فيه ، فقال عند ذلك : { وما كنت بدعا من الرسل } أي لست أنا بأول رسول من البشر ، بل لم يزل الرسل من قبلُ{[19282]} من البشر في آفاق الأرض وأطرافها ، فما بالُكم تُنكرون رسالتي ، وإن كنت من البشر ، وتستعظمونها ، وسائر الرسل الذين من قبلي كانوا من البشر ؟ والله أعلم .

قال أبو عوسجة : { ما كنت بِدعًا } أي ما أنا بأولكم ، قد أُرسل قبلي . وقال القتبيّ : وما كنت بدءا منهم ، ولا [ أولا ]{[19283]} .

وقوله تعالى : { وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم } هذا يخرّج على وجوه :

أحدهما : أي ما كنت أدري قبل ذلك ما يفعل بي ولا بكم ، أُختصّ للرسالة ، وأُختار لها ، وأُبعَث إليكم ، وتُلزمَون أنتم اتّباعي والإجابة إلى ما أدعوكم ، إليهن والله أعلم .

والثاني : { وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم } من إخراج من بين أظهركم وإهلاككم كما فُعل بالرسل الذين كانوا من قبل وأقوامهم ؛ أُمروا بالخروج من بين أظهرهم ، ثم [ ما ]{[19284]} يعقب ذلك [ من ]{[19285]} استئصال قومهم ، أي ما أدري أيُفعل بي وبكم ما ذكرنا كما فُعِل بمن تقدّمنا من الرسل وأقوامهم ؟ والله أعلم .

الثالث : { وما أدري ما يُفعل بي لا بكم } مخافة التغيير عليه وتبديل الحال ، ولم يزل الرسل عليهم السلام يخافون تغيير الأحوال عليهم وذهاب ما اختصّوا هم به كقول إبراهيم عليه السلام : { واجنُبني وبنيّ أن نعبد الأصنام } [ إبراهيم : 35 ] وقول{[19286]} شعيب عليه السلام : { إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما } الآية [ الأعراف : 89 ] وما ذكر في سورة يوسف عليه السلام : { ما كان ليأخذ أخاه في دين المَلِك إلا أن يشاء الله } الآية [ الآية : 76 ] وقول يوسف عليه السلام : { توفّني مسلما وألحقني بالصالحين } [ الآية : 101 ] وقول يعقوب عليه السلام : { فلا تموتُن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] وقول رسول لله صلى الله عليه وسلم : [ يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على طاعتك ] [ بنحوه أحمد 2/418 ] لم تزل [ كما ]{[19287]} كانت الرسل عليهم السلام على خوف من تغيير الأحوال التي كانوا عليها .

فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم } أتُغيَّر عليّ وعليكم الأحوال التي نحن عليها اليوم ، أم نُترك على ذلك ؟ وحقيقة هذا الكلام على الاستقصاء قد مرّت ، والله أعلم .

وذكر بعض أهل التأويل أن أهل مكة كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، بأنواع الأذيّة ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كانوا يلقون منهم ، فقال : إني لم أؤمر بشيء فيهم من القتال وغيره ، فاصبروا على ذلك ، ولكني رأيت في المنام أن أُهاجِر إلى أرض أخرى ذات كذا ، فاستبشروا بذلك ، ومكثوا بعد ذلك زمانا ، يرون شيئا مما ذكر ، فشكوا إليه ثانيا بما يلقون منهم ، وقالوا : ما نرى ما قلت لنا من الخروج عنهم ؟ فقال : إنما رأيت ذلك في المنام ، ولم يأت به وحي من السماء أيكون ذلك أم لا ؟ أو نحن ذلك من الكلام .

وهذا لا يُحتمل أن يكون لأنه{[19288]} لا يظن بأصحابه رضي الله عنهم أن يقولوا له : ما نرى الذي قلت لنا من الخروج عنهم ، وفي ذلك اتهامه بذلك وترك تعظيمه ، ولا نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : أنا رأيت ذلك في المنام ، ولم يأت به وحي من السماء جوابا لقولهم ، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام كالوحي من السماء . دلّ أن هذا [ يصحّ ]{[19289]} ويثبُت ، والله أعلم . لكنه{[19290]} جائز بعض ما ذُكر في القصة من الشكاية منهم من الأذى والوعد لهم بالخروج من بينهم ، والله أعلم . والوجوه التي ذكرنا أشبه وأقرب إلى العقل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذير مبين } ظاهر .


[19282]:أدرج بعدها في الأصل وم: كانت.
[19283]:من م، ساقطة من الأصل.
[19284]:ساقطة من الأصل وم.
[19285]:ساقطة من الأصل وم.
[19286]:في الأصل وم: وقال.
[19287]:ساقطة من الأصل وم.
[19288]:في الأصل وم: فإنه.
[19289]:من م، ساقطة من الأصل.
[19290]:في الأصل وم: أما.