تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ} (106)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) الآية . اختلف فيه :

عن قتادة [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : رجل مات بقرية من الأرض ، وترك تركة ، وأوصى وصية ، وأشهد على وصيته رجلين [ قال : إنهما ][ ساقطة من الأصل وم ] في شهادتهما استحلفا بعد صلاة العصر . وكان يقال : عندها تصير الأيمان . فإن عثر أي أطلع منهما على خيانة على أنهما كتما ، أو كذبا ، وشهد رجلان أعدل منهما بخلاف [ ما ][ من م ، في الأصل : فان اتمها ] قالا أجيزت شهادتهما ، وأبطلت /141-ب/ شهادة الأولين . ( اثنان ذوا عدل منكم ) من المسلمين ( أو آخران من غيركم ) من أهل الكتاب ؛ إذا كان أهل عشيرتكم ، فنقول : إن الحق على المسلم إذا أراد أن يوصي أن يسند الوصاية إلى أحد عشيرته ، وكذلك أن يشهد على ذلك من أهل عشيرته لأن أهل عشيرته أحفظ لذلك وأحوط وأكثر عناية ( وأقوم للشهادة )[ البقرة : 282 ] ولا كذلك الأجنبيان .

فإن [ قال ][ ساقطة من الأصل وم ] قائل : خاطب الله عز وجل المؤمنين جملة بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم )الآية فكيف يحتمل أن يكون قوله : ( أو آخران من غيركم ) من غير دينكم ؟ فنقول : سبحان الله ما أعظم هذا القول : يرد شهادة موحد مخلص دينه لله لفسق يرتكبه ، ويأمر بقول شهادة كافر كاذب قاتل الله بالولد والشريك  ! هذا مما لا يحتمل . وقال أيضا : ( تحبسونهما من بعد الصلاة ) وهم كانوا يستهزئون بالصلاة إذا نودي لها بقوله تعالى : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا )[ الآية : 58 ] دل أنه لا يحتمل ما ذكروا .

وعن سيعد بن جبير في قوله تعالى : ( أو آخران من غيركم ) [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : إذا حضر المسلم الموت في السفر ، فلم يجد مسلمين ، فأوصى إلى أهل الكتاب ، فإن جاؤوا بتركته ، فاتهموا ، حلف هؤلاء أن متاعه كذا وكذا ، وأخذوه . وبعض الناس يجيزون شهادة النصارى واليهود في السفر في الوصية بظاهر الآية .

وقال مجاهد : ( أو آخرين من غيركم ) من غير ملتكم . وعن عامر الشعبي [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : شهد نصرانيان على وصية مسلم مات عندهم ، فارتاب أهل الوصية ، فأتوا بهما إلى أبي موسى الأشعري ، فاستحلفهما بعد صلاة العصر بالله . ما اشترينا[ في الأصل وم : اشتريتما ] به ثمنا قليلا ، ولا كتمنا[ في الأصل وم : كتما ] شهادة الله ( إنا إذا لمن الآثمين ) ثم قال أبو موسى الأشعري : والله إن هذه القصة ما قضي بها منذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم .

قد بين الشعبي أن أبا موسى إنما استحلفهما في ما اتهمهما به من تركة[ في الأصل وم : تركته ] الميت . وهذه يمين واجبة عند المسلمين جميعا ، ولم يحلفهما على أن ما شهدا به كما شهدا به كما زعم قوم أن شهادتهما تصح بيمينهما .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : خرج رجل من المسلمين ، فمر بقرية ، ومعه رجلان من المسلمين ، فدفع إليهما ماله ، ثم قال : ادعوا إلي من أشهد على ما قبضتما ، فلم يجدا[ في الأصل وم : يجدوا ] أحدا من المسلمين في تلك القرية ، فدعوا ناسا من اليهود والنصارى ، وأشهدهم على ما دفع إليهما . ثم إن المسلمين قدما إلى أهله فدفعا ماله إلى أهله . فقال الورثة : لقد كان معه من المال أكثر مما أتيتما ، فاستحلفوهما بالله : ما دفع إليهما غير هذا ؟ ثم قدم ناس من اليهود والنصارى ، فسألهم أهل الميت ، فأخبروهم أنه هلك بقريتهم [ رجل ][ ساقطة من الأصل وم ] وترك كذا وكذا من المال ، فعلم أهل المتوفى أن قد عثروا على أن المسلمين قد استحقا إثما ، فانطلقوا إلى ابن مسعود ، فأخبروه بالذي كان من أمرهم ، فقال ابن مسعود رضي الله عنه ما من كتاب الله من شيء إلا قد جاء على الدلالة إلا هذه الآية ، فالآن جاء تأويلها ، فأمر المسلمين أن يحلفا بالله ( لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ) .

ثم أمر اليهود والنصارى أن يحلفوا بالله : لقد ترك من المال كذا وكذا ، ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين ( إنا إذا لمن الظالمين ) .

ثم أمر أهل الميت أن يحلفوا بالله : أن كان ما شهدت به اليهود والنصارى حقا[ في الأصل وم : حق ] ، فحلفوا ، فأمرهم ابن مسعود [ أن ][ ساطقة من الأصل وم ] يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى . وكان ذلك في خلافة عثمان بن عفان .

فإن ثبت هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه فهو خلاف ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم . [ ولكن اليمين على المدعى عليه »[ مسلم1711 ] وقال : «البينة ][ في الأصل وم : لكن البينة ] على المدعي واليمين على المدعى عليه »[ الترمذي : 1341 ] وهو أيضا غير موافق لظاهر الآية ، فلا نراه .

ثبت هذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كان تميم الداري وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة في التجارة ، فخرج رجل من بني سهم ، فتوفي بأرض ، ليس فيها مسلم ، فأولى إليهما ، فدفعا تركته إلى أهله ، وحبسا جاما من فضة ، فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمتما ، ولا أطلعتما . ثم عرض [ رجلان ][ ساقطة من الأصل وم ] الجام بمكة ، فقالا : اشتريناه من عدي وتميم ، فقام رجلان من أولياء السهمي [ فقالا ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( لشهادتنا أحق من شهادتهما ) فأخذ الجام . وفيهم نزلت هذه الآية .

وفي الحديث أن اليمين وجبت على المدعى عليهما لما ادعى عليهم الورثة أنهما تركا بعض تركة الميت ، وفيه أن الإناء لما ظهر ادعاه[ في الأصل وم : ادعى ] تميم وصاحبه ، وهذان حكمان موافقان لسائر الأحكام والسنن . فإن كان الأمر كما ذكر في هذا فليس في الآية نسخ ، ولا فيها ما يخالف الأحكام الظاهرة . وليس يجوز عندنا أن يحلف الشاهدان إن كانا كافرين مع شهادتهما لأن ظاهر الآية نسخ ، ولا فيها أحكام توجب اليمين على العدلين منا ومن غيرنا .

فلما لم يجز أن يحلف الشهود المسلمين على الوصية التي يشهدوا لها ، وإنما يحلفون على شيء [ ادعي أنهما حبساه ][ في الأصل وم : ادعوا أنهم حبسوه ] ، كان سبيل الكفارة كذلك .

وإذا كانت الآية نزلت في قصة تميم وصاحبه ، وكانا نصرانيين ، فإن ذلك يدل على أن شهادة بعضهم على بعض جائزة لأن الله تعالى قال : ( اثنان ذوا عدل منكم أو آخرين من غيركم ) فمعنى الآية على هذا التأويل ، والله أعلم ، أن يكون الميت خلف تركته عند ذميين على ما ذكر في القصة ، وقالا : ترك في أيدينا كذا وكذا ، وادعى أكثر من ذلك ، واستحلف المدعى عليهما قبلهم ، وقوله : ( تحبسونهما ) على هذا التأويل هما[ في الأصل وم : هو ] المدعى عليهما .