وقوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل } وقال الحسن وغيره : لم يكونا ابني آدم من صلبه ، ولكن كانا رجلين من بني إسرائيل { قربا قربانا فتقبل } قربان أحدهما { ولم يتقبل من الآخر } وقد نسبهما إلى آدم لأن كل البشر ولد آدم ينسب إليه كقوله تعالى : { يا بني آدم } [ الأعراف : 26 و . . . ] افعلوا كذا ، ولا تفعلوا كذا ، ليس يريد به ولد آدم لصلبه [ ولكنه يريد ] البشر كله . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .
وأما ابن عباس والكلبي وغيرهما من أهل التأويل فإنهم قالوا : إنهما كانا ابني آدم لصلبه ؛ أحدهما يسمى قابيل والآخر هابيل ، وكان لكل واحد أخت ولدت معه في بطن واحد ، وكانت إحداهما جميلة والأخرى دميمة ، فأراد كل واحد منهما نكاح الجميلة منهما ، فتنازعا في ذلك ، فقال أحدهما لصاحبه : تعال نقرب قربانا ، فإن تقبل قربانك فأنت أحق بها ، وإن تقبل قرباني فأنا أحق بها ، فقربا قربانهما ، فقبل قربان قابيل ، فحسده ، فهم أن يقتله . فذلك قوله تعالى : { إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين } ولكن لا ندري كيف كانت [ القصة ] ؟ وفيم كانت ؟ وكانا ابني آدم لصلبه أو لم يكونا ؟ وليس لنا إلى معرفة هذا حاجة إنما الحاجة في هذا إلى معرفة ما فيه من الحكمة والعلم لنعلم ذلك ، ونعمل به . فهو ، والله أعلم ، ما ذكر عز وجل في ما تقدم من قوله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } [ المائدة : 15 ] وقوله : { يبين لكم على فترة من الرسل } [ المائدة : 19 ] لتعلموا أنه إنما علم ذلك بالله لا بأحد من البشر لأنه إنما بعث عند دروس آثار الرسل وانقطاع العلوم ، فبين لكم واحدا بعد واحد .
ففيه دليل إثبات رسالة سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم وسورة المائدة كان أكثرها نزل في مخاطبة أهل الكتاب لأنه يقول في موضع : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما تخفون من الكتاب } [ الآية : 15 ] { يبين لكم على فترة من الرسل } [ الآية : 19 ] يدعوهم الإيمان بالرسل . ونزلت سورة الأنعام في مخاطبة أهل الشرك لإن فيها دعاء إلى التوحيد .
وقوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق } يحتمل وجهين : يحتمل : { بالحق } المعلوم المعروف على ما كانوا ليعلموا أنه بالله علم ، وأنه علم سماوي .
وقوله تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين } هذا يحتمل وجهين : يحتملك { إنما يتقبل الله من المتقين } قربان من اتقى ، لا يتقبل من لم يتق . وإلى هذا يذهب الحسن ، ويقول : كانا رجلين من بني إسرائيل ؛ أحدهما مؤمن والآخر منافق ، فتنازعا في شيء ، فقربا ليعلم المحق منهما ، فتقبل من المؤمن /127-ب/ ولم يتقبل من الآخر .
وقال أبو بكر الأصم : كانا رجلين مصدقين لأن الكافر لا يقرب القربان ، لكن أحدهما كان أتقى قلبا ، فتقبل قربانه ، والتقوى شرط في قبول القرابين وغيرها من القرب ، كقوله عز وجل : { إنما يتقبل الله من المتقين } والكافر لا يقرب القربان . يقال : قد تقرب لما يدعي من الدين أن الذي هو حق عليه ، ليظهر المحق منهم . ألا ترى أنهم يدعون أن فيهم من هو أحق بالرسالة من محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وغير ذلك من أباطيل قالوها ؟ وبالله التوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.