تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

وقوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل } وقال الحسن وغيره : لم يكونا ابني آدم من صلبه ، ولكن كانا رجلين من بني إسرائيل { قربا قربانا فتقبل } قربان أحدهما { ولم يتقبل من الآخر } وقد نسبهما إلى آدم لأن كل البشر ولد آدم ينسب إليه كقوله تعالى : { يا بني آدم } [ الأعراف : 26 و . . . ] افعلوا كذا ، ولا تفعلوا كذا ، ليس يريد به ولد آدم لصلبه [ ولكنه يريد ] البشر كله . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

وأما ابن عباس والكلبي وغيرهما من أهل التأويل فإنهم قالوا : إنهما كانا ابني آدم لصلبه ؛ أحدهما يسمى قابيل والآخر هابيل ، وكان لكل واحد أخت ولدت معه في بطن واحد ، وكانت إحداهما جميلة والأخرى دميمة ، فأراد كل واحد منهما نكاح الجميلة منهما ، فتنازعا في ذلك ، فقال أحدهما لصاحبه : تعال نقرب قربانا ، فإن تقبل قربانك فأنت أحق بها ، وإن تقبل قرباني فأنا أحق بها ، فقربا قربانهما ، فقبل قربان قابيل ، فحسده ، فهم أن يقتله . فذلك قوله تعالى : { إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين } ولكن لا ندري كيف كانت [ القصة ] ؟ وفيم كانت ؟ وكانا ابني آدم لصلبه أو لم يكونا ؟ وليس لنا إلى معرفة هذا حاجة إنما الحاجة في هذا إلى معرفة ما فيه من الحكمة والعلم لنعلم ذلك ، ونعمل به . فهو ، والله أعلم ، ما ذكر عز وجل في ما تقدم من قوله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } [ المائدة : 15 ] وقوله : { يبين لكم على فترة من الرسل } [ المائدة : 19 ] لتعلموا أنه إنما علم ذلك بالله لا بأحد من البشر لأنه إنما بعث عند دروس آثار الرسل وانقطاع العلوم ، فبين لكم واحدا بعد واحد .

ففيه دليل إثبات رسالة سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم وسورة المائدة كان أكثرها نزل في مخاطبة أهل الكتاب لأنه يقول في موضع : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما تخفون من الكتاب } [ الآية : 15 ] { يبين لكم على فترة من الرسل } [ الآية : 19 ] يدعوهم الإيمان بالرسل . ونزلت سورة الأنعام في مخاطبة أهل الشرك لإن فيها دعاء إلى التوحيد .

وقوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق } يحتمل وجهين : يحتمل : { بالحق } المعلوم المعروف على ما كانوا ليعلموا أنه بالله علم ، وأنه علم سماوي .

وقوله تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين } هذا يحتمل وجهين : يحتملك { إنما يتقبل الله من المتقين } قربان من اتقى ، لا يتقبل من لم يتق . وإلى هذا يذهب الحسن ، ويقول : كانا رجلين من بني إسرائيل ؛ أحدهما مؤمن والآخر منافق ، فتنازعا في شيء ، فقربا ليعلم المحق منهما ، فتقبل من المؤمن /127-ب/ ولم يتقبل من الآخر .

وقال أبو بكر الأصم : كانا رجلين مصدقين لأن الكافر لا يقرب القربان ، لكن أحدهما كان أتقى قلبا ، فتقبل قربانه ، والتقوى شرط في قبول القرابين وغيرها من القرب ، كقوله عز وجل : { إنما يتقبل الله من المتقين } والكافر لا يقرب القربان . يقال : قد تقرب لما يدعي من الدين أن الذي هو حق عليه ، ليظهر المحق منهم . ألا ترى أنهم يدعون أن فيهم من هو أحق بالرسالة من محمد صلى الله عليه وسلم بقولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وغير ذلك من أباطيل قالوها ؟ وبالله التوفيق .