الآية 21 وقوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدقا من خشية الله } الآية : اختلف الناس في تأويل هذه الآية على التمثيل ، وهي على التنبيه والتذكير ، وذهبوا في ذلك إلى أن العرب إذا استقبلهم أمر ، وأرادوا أن يصفوه بالعظم والشدة ، كانوا يضربون الأمثال بما يعظم ذلك عندهم وصفه ، لم يكونوا{[20990]} يريدون به الحقيقة في ذلك ، وهو كقولهم عند شدة الأمر : أظلم علي ما بين السماء والأرض ، وكقولهم : ضاقت علي الأرض برحبها ، وكما وصف الله تعالى من أمر لوط عليه السلام : { وضاق بهم ذرعا } [ هود : 77 ] .
فهذا القول من العرب إنما كان على التمثيل في ما يريدون أن يصفوا الشيء [ به ]{[20991]} فغايته لا على الحقيقة ، لأنه معلوم أن الدنيا عليه كما كانت لم تتغير ، وكذلك لم يظلم عليه ذلك . لكنهم تكلموا على التمثيل من شدة ما نزل بهم من الأمر .
وكذلك قوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } يقول : لو كانت هذه الحجج أنزلت على جبل مع صلابته وشدته لخضع لله تعالى ، وانصدع من خشيته على وجه التمثيل . لكن قلوب هؤلاء أقسى منه حين{[20992]} لم تخضع ، ولم تخشع .
وهو كقوله تعالى : { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } [ البقرة : 74 ] إذ الحجارة قد تكون فيها منافع نحو خروج الماء وغيره . فأما قلوب هؤلاء الكفرة فليس فيها شيء من المنافع ، بل هي قاسية ، لا تخشع ، ولا تتصدع . وعلى ذلك حملوا قوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطرن منه } [ مريم : 90 ] على التمثيل ليس على حقيقة ذلك .
وقال قائلون : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [ إنه على ]{[20993]} حقيقة ذلك الفعل منه ، وهو الانصداع والخشوع ، وكذلك تأويل قوله تعالى : { تكاد السماوات يتفطرن منه } [ مريم : 90 ] .
فمعناه : لو كان نزول هذا القرآن وما فيه من الأحكام والأمانات التي أوجب على البشر على الجبل ، وكان هو بحيث يملك قبول ذلك باختياره لقيام شرائطه لكان هو يفزع ، ويخضع ، ويتصدع ، من خشية الله تعالى ، وكان لا يقبل مخافة أل يمكنه أداء ما لزم بنزوله ، وهو كقوله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } الآية [ الأحزاب : 72 ] فيقول : معناه : لو أنزلنا هذه الأمانات التي في هذا القرآن { على جبل لرأيته خاشعا متصدعا } إذ الأمانات التي في هذا القرآن مما قد تلزم المرء [ ولا يمكنه ]{[20994]} أداؤها كلها ، لأن الأمانات مما يكثر عدها فضلا عن [ ألا يمكنه ]{[20995]} أداؤها .
فعلى هذا التأويل يخرج على حقيقة التصدع : أن لو أنزل عليه مع عظمته وصلابته [ لانصدع . فعلى هذا تنبيه للخلق وتذكير لهم .
وقال بعضهم : في هذه الآية يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم منته عليه وعلى جميع الرسل : لولا فضل الله ومنته على الرسل لكان لا يطيق ]{[20996]} أحد من الرسل حمل ما في الكتب ولا أداء ما فرض [ الله عليهم من أداء الرسالة ، لكنه من عليهم أن يسر عليهم ذلك حتى قاموا بذلك كله ، فهو كقوله تعالى : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } [ المزمل : 5 ] [ وقوله في مواضع أخر ]{[20997]} { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مّدّكر }{[20998]} [ القمر : 17 و . . . ] فيسر عليهم ، وثقل العمل بما فيه ؛ فيقولون : كذلك قوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } لثقل ما فيه{[20999]} . لكنه [ من ]{[21000]} عليك ، ويسر ذكره عليك ، ووفقك بتبليغ ما فيه إلى أهله .
وقال قائلون : إن الله تعالى لما أراد أن ينزل التوراة على موسى عليه وسلم وكانت في لوح من زبرجد حمراء أمر الملائكة أن يحملوها ، فلم يطيقوا حملها ، ثم أمرهم أن يحملوا كل حرف منها ، فلم يطيقوا ذلك ، فخفف الله تعالى على موسى عليه السلام حتى حمل ذلك .
فكذلك ذكر ذلك في عيسى وداود عليهم السلام ثم خفف الله تعالى ذلك على الأنبياء /562 – ب / عليهم السلام .
فكأنه يقول لرسوله عليه السلام : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا } كذا . لكنه خفف ذلك عليك كما خفف على الأنبياء من قبلك . وإليه يذهب الكلبي .
ولكن إن صح هذا الخبر فإن ذلك الثقل لم يكن في تلك الكتابة التي في الألواح ، لكن ذلك في ما يلزمهم من العمل بذلك من أداء الأمانات وغيرها ، لأنه تعالى أخبر أنه لو كان أنزل { هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } وقال في موضع آخر : { إنا عرضنا الأمانة } الآية[ الأحزاب : 72 ] .
ثم كانت هذه الألواح التي احتملتها الأرض ، وأمكن لموسى عليه السلام [ حملها ]{[21001]} فكذلك هذا القرآن كله والتوراة والإنجيل والزبور مما قد يحتمل [ ذلك ]{[21002]} حقيقة ، ويمكن كتابته في [ قلب تلك ]{[21003]} الألواح ثبت أن المراد من ذكره ، ليس هو الحروف إن كان على ما فيه من الأمر والنهي وأداء الأمانات واتقاء الله حق تقاته لا على نفس تلم الألواح . وهذا الذي ذكرنا هو تأويل القوة في نزول هذه الآية .
فأما إني لا علم لي بحقيقة تأويل هذه الآية ، ولولا أن في الآية تذكيرا وتنبيها ، لكنا نقول : هي من التشابه المكتوم الذي لا يفسر . لكنه لما خرج مخرج التذكير واستيداء شكر ما سهل علينا قراءته احتجنا إلى تأويله .
وقوله تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } هو ظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.