اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

قوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله } .

وهذا حثّ على تأمل مواعظ القرآن ، وبيّن أنه لا عذر في ترك التدبر ، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه ، ورأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة ، أي : متشققة من خشية الله .

والخاشع : الذَّليل . والمتصدّع : المتشقق .

وقيل : «خاشعاً » لله بما كلفه من طاعته ، «متصدعاً » من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه .

وقيل : هو على وجه المثل للكفار{[56082]} .

قوله تعالى : { وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } .

أي : أنه لو أنزل القرآن على الجبل لخشع لوعده ، وتصدع لوعيده ، وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ، ولا ترهبون من وعيده{[56083]} .

والغرض من هذا الكلام التنبيه على فساد قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم{[56084]} ، ونظيره قوله :{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذلك فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }[ البقرة : 74 ] .

وقيل{[56085]} : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي : لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدع من نزوله عليه ، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له ، فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبته لما لم يثبت عليه الجبال .

وقيل : إنه خطاب للأمة ، وأن الله - تعالى - لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله ، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً ، فهو يقوم بحقه إن أطاع ، ويقدر على ردّه إن عصى ؛ لأنه موعود بالثواب ، ومزجُور بالعقاب{[56086]} .

قوله : «خاشعاً » حال ؛ لأن الرؤية بصرية .

وقرأ طلحة{[56087]} : «مصّدعاً » بإدغام التاء في الصاد .


[56082]:ينظر: القرطبي 18/30.
[56083]:ينظر السابق.
[56084]:ينظر: الفخر الرازي 29/254.
[56085]:ينظر: القرطبي 18/30.
[56086]:السابق.
[56087]:ينظر: المحرر الوجيز 5/291، والبحر المحيط، 8/249، والدر المصون 6/299.