فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

ولما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار ، وبين عدم التساوي بينهم في شيء من الأشياء ، ذكر تعظيم كتابه الكريم وأخبر عن جلالته ، وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب ، وترق له الأفئدة فقال :{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ( 21 ) هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ( 22 ) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهين العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ( 23 ) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 24 ) } .

{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } أي من شأنه وعظمته ، وجودة ألفاظه ، وقوة مبانيه وبلاغته ، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب ، أنه لو أُنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض ، وجعل فيه تمييز كالإنسان على قساوته ، ثم أنزلنا عليه القرآن { لرأيته } مع كونه غاية القسوة وشدة الصلابة ، وضخامة الجرم { خاشعا متصدعا } أي متشققا .

{ من خشية الله } سبحانه حذرا من عقابه ، وخوفا من أن يؤدي ما يجب عليه من تعظيم كلام الله ، وهذا تمثيل وتخييل ، يقتضي علو شأن القرآن ، وقوة تأثيره في القلوب ، قال ابن عباس في الآية : يقول : لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل وحملته إياه لتصدع وخشع من ثقله ، ومن خشية الله ، فأمر الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديد ، والتخشع والخاشع الذليل المتواضع .

" وعن علي وابن مسعود مرفوعا في الآية قال : هي رقية الصداع " ورواه الديلمي بإسنادين لا ندري كيف رجالهما ، وأخرج الخطيب في تاريخه بإسناده إلى إدريس بن عبد الكريم الحداد مسلسلا إلى ابن مسعود مرفوعا ، قاله الذهبي : هو باطل ، وقيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت ، ولتصدع من نزوله عليه وقد أنزلناه عليك وثبتناك له وقويناك عليه ، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي ، وقيل الخطاب للأمة .

{ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } فيما يجب عليهم التفكر فيه ليتعظوا بالمواعظ ، وينزجروا بالزواجر ، وفيه توبيخ وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن ، ولا اتعظوا بمواعظه ، ولا انزجروا بزواجره .