تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { قل لمن ما في السماوات والأرض قل } الآية يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يخرج مخرج البيان لهم أنه ليس على الأمر [ لأنه لو كان على الأمر ]{[6935]} لكان يذكر سؤاله{[6936]} لهم ، ولم يذكر أن سؤالهم لا يحتمل ألا يخبروه ذلك . فلما لم يذكر سؤاله لهم عن ذلك ، ولا يحتمل أن يأمره بالسؤال ، ثم لا يسأل ، أو يسأل هو ، ولا [ يخبروه ، دل ]{[6937]} أنه على البيان خرج لا على الأمر .

والثاني : على أمر سبق كقوله تعالى : { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون } { سيقولون لله } [ المؤمنون : 84و 85 ] وكقوله ] تعالى : { قل من بيده ملكوت كل شيء } إلى قوله : { سيقولون لله } [ المؤمنون : 88 و 89 ] وكقوله{[6938]} تعالى : { قل من رب السماوات والأرض } [ الرعد : 16 ] ونحوه كان على أمر سبق ، فيخبرهم عز وجل حتى قالوا : لله كقوله تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله } [ العنكبوت : 61 ولقمان : 25 والزمر : 38 والزخرف : 9 ] ذلك مستخبر منه إياهم حتى قالوا : { الله } .

وفي حرف ابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنه قل لمن ما في السموات والأرض قل لله . أي سلهم فإن أجابوك ، فقالوا : لله ، وإلا فقل لهم أنت : لله .

وقال قائلون : فإن سألوك : { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } .

وقوله تعالى : { كتب على نفسه الرحمة } قال الحسن : { كتب على نفسه الرحمة } للتوابين أن يدخلهم/44-ب/ الجنة . لا أحد يدخل الجنة بعمله ، إنما يدخلون الجنة برحمته . وعلى ذلك جاء الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل أحد الجنة إلا برحمته . قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) [ مسلم 2816/ 71 و . . . 2818/78 ] .

وقيل : { كتب على نفسه الرحمة } أن يجمعهم إلى يوم القيامة ؛ أي من رحمته أن يجمعهم إلى يوم القيامة حيث جعل للعدو عذابا وللولي ثوابا ؛ أي من رحمته أن يجمعهم جميعا يعاقب العدو ، ويثيب الولي . وقيل : أي من رحمته أن{[6939]} جعل لهم الجمع ، فأوعد العاصي العذاب ، ووعد المطيع الثواب ليمنع العاصي بذلك{[6940]} عن عصيانه وليرغب المطيع في طاعته . وذلك من رحمته .

وقال قائلون : { كتب على نفسه الرحمة } لأمة محمد ألا يعذبهم عند التكذيب ، ولا يستأصلهم كما عذب غيرها{[6941]} من الأمم ، واستأصلهم عند التكذيب . فالتأخير الذي أخرهم إلى يوم القيامة من الرحمة التي كتب .

وقوله تعالى : { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } قيل : { إلى } صلة ؛ ومعناه : ليجمعنكم يوم القيامة . وقيل : { إلى يوم القيامة } أي ليوم القيامة كقوله تعالى : { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } [ آل عمران : 9 ] وقال قائلون : قوله تعالى : { ليجمعنكم } في القبور { إلى يوم القيامة } ثم ليجمعنكم يوم القيامة والقرون السالفة .

وقوله تعالى : { لا ريب فيه } أي لا ريب في الجمع والبعث بعد الموت عند من يعرف أن خلق الخلق للفناء خاصة لا للبعث والإحياء بعد الموت والثواب{[6942]} والعقاب ليس بحكمة .

وقوله تعالى : { الذين خسروا أنفسهم } قد ذكرنا .


[6935]:- من م، ساقطة من الأصل.
[6936]:- أدرج قبلها في الأصل: أن.
[6937]:- في الأصل وم: يخبرونه فدل.
[6938]:- في الأصل وم: وقوله.
[6939]:- من م، في الأصل: أي.
[6940]:- في الأصل وم: ذلك.
[6941]:- في الأصل وم: غيره.
[6942]:- في الأصل و م: للثواب.