تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَهۡوٗا وَلَعِبٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (51)

الآية 51 وقوله تعالى : { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا } قال الحسن : اتخذوا دينهم الذي{[8409]} كلّفوا/175-أ/به ، وأمروا أن يأتوا به ، لهوا ولعبا .

وجائز أن يكون قوله تعالى : { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا } اتخذوا دينهم الملاهي التي كانوا يلهون ، ويلعبون كقوله تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } [ الأنفال : 35 ] أي اتخذوا دينهم الذي أتوا به لهوا ولعبا ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، وفي إنكارهم البعث إنكار الجزاء للحسنات والسيئات ، وفي الحكمة إيجاب ذلك . فمن لم ير ذلك فهو لاه لاعب ، واللهو واللعب هو الذي لا عاقبة له . وكل من عمل عملا ، لا عاقبة له ، فهو [ لاعب ولاه ]{[8410]} . وكل من يعمل [ عملا ]{[8411]} لعاقبة فهو ليس [ بلاعب ولا لاه ]{[8412]} . وهم كانوا يعملون لا لعاقبة ، كان عملهم لهوا ولعبا .

وقوله تعالى : { وغرّتهم الحياة الدنيا } قال بعضهم : إن الحياة الدنيا لا تغرّنّ أحدا ، ولكن أضيف إليها{[8413]} التّغرير لما كان سببا من أسباب الاغترار بها ، فأضيف إليها كقوله تعالى : { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } [ نوح : 6 ] أضاف الفرار إلى الدعاء ، وقد يضاف الشيء إلى سببه كقوله تعالى : { والنهار مبصرا } [ يونس : 67 ] أي يبصر به .

وقال بعضهم : أضيف ذلك إليها لما كان منها من السبب من الهيئة ما لو كان ذلك من ذي العقل والتمييز كان ذلك غرورا من نحو التزيين وغيره .

وجائز إضافة التغرير على إرادة أهلها ؛ أي غرّهم أهلها ، وهم القادة والرؤساء .

وقوله تعالى : { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } لا يجوز أن يضاف النسيان إلى الله تعالى بحال . ولكن يجوز أن يقال : نجزيهم جزاء نسيانهم ، فسمّى الثاني باسم الأول ، وإن لم يكن الثاني نسيانا نحو قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئةًًُ مثلها } [ الشورى : 40 ] والثانية ليست بسيئة ، ولكن جزاء السيئة لكنه سماها باسم السيئة لما هي جزاء لها . فعلى ذلك هذا ، وكقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } [ البقرة : 194 ] والثاني ليس باعتداء ، ولكنه جزاء الاعتداء ، فسمّاه باسم الاعتداء لما هو جزاء . وعلى{[8414]} ذلك سمّي الثاني نسيانا ، لأنه جزاء النسيان ، وإن كان الله لا يجوز أن ينسى ، أو يسهو عن شيء ، أو يغفل ، ولأن في النسيان تركا ، وكل منسيّ متروك ، فيتركهم في العذاب والهوان كما تركوا هم أمر الله ونهيه في الدنيا .

وقال الحسن : إن الله لا ينسى شيئا ، ولا يسهوه ، ولكن الكفرة يكونون على الكرامة والرحمة والمنزلة كالشيء المنسي ، وعن العذاب والهوان لا ، أو كلاما{[8415]} نحو هذا .

وقوله تعالى : { وما كانوا بآياتنا يجحدون }قال بعضهم : ما ههنا صلة ، كأنه قال : وكانوا بآياتنا . وقال بعضهم : هو على ما ذكر ؛ أي { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } كما { كانوا بآياتنا يجحدون } .


[8409]:من م، في الأصل: الذين.
[8410]:في الأصل وم: لعب ولهو.
[8411]:ساقطة من الأصل وم.
[8412]:في الأصل وم: بلعب ولا لهو.
[8413]:في الأصل وم: إليه.
[8414]:في الأصل وم: فعلى.
[8415]:في الأصل وم: كلام.