تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } [ يحتمل وجهين :

أحدهما : ذكر ]{[23411]} العزيز الحميد ليعلم أنه لا يلحقه ذل بما يحل من الذل بأوليائه وأهل طاعته ، ولا في حمده قصور بقهر أوليائه خلافا لما عليه ملوك الدنيا ؛ وذلك أن ملوك الدنيا إذا حل بأولياء واحد منهم ذل كان الذل حالا فيه أيضا ، وإذا قهر بعض أتباعه ، فترك نصرهم ، وهو قادر على نصرهم وإغاثتهم ، لم يحمدوا ذلك منه ، ولحقته المذمة ؛ وذلك لأن الملك استفاد العز بأتباعه وأنصاره ، فإذا استذل أتباعه زال ما به نال العز ، فلحقه الذل ، ونال الحمد أيضا بالإحسان إلى مملكته .

فإذا ترك نصرهم ، وهو ممكن من ذلك ، فقد ترك إحسانه إليهم ، فصار به غير ممدوح ومحمود . والله تعالى ، استحق العز والحمد بذاته لا بأحد من خلائقه ، فلم يكن في إذلال أوليائه ما يوجب النقص في وصف الحمد ولا ما يوجب قصورا في العز .

والثاني : أن الدنيا وما فيها أنشئت للإهلاك ، ولعل الإهلاك بما ذكره أيسر عليهم من هلاكهم حتف أنوفهم{[23412]} ، وكان في ذلك النوع من الهلال نيل درجة الشهداء ، وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربه يرزقون } [ آل عمران : 169 ] ولا تنال تلك الدرجة بموتهم حتف أنوفهم{[23413]} ، فهذا أبلغ نصرا منه إياهم .

ثم للجزاء والعقاب دار أخرى ، فيها يظهر تعزيز الأولياء وقمع الأعداء{[23414]} ؛ فلم يكن في ترك النصر في الدنيا ما يوجب وهنا ولا ذلا . وأما ملوك الدنيا إذا تركوا نصرهم وقت ملكهم لأوليائهم فلم يتوقع منهم النصر بعد ذلك ، إذ ليست في أيديهم إلا المنافع الحاضرة ، لذلك لحقتهم المذمة بترك النصر ، والله أعلم .

ثم ليس في إهلاك أولئك القوم الذين آمنوا واقتدارهم عليهم إيهام أنهم كانوا على الحق والصواب وأن المؤمنين كانوا على الخطإ ، لأن الإهلال إنما يصير آية إذا كان على خلاف المعتاد ، وإهلاكهم لم يكن كذلك ، لأن عددهم كان كثيرا ، وكان في المؤمنين قلة ، وإهلاك الكثير للقليل غير مستبعد ، بل هو أمر معتاد ، وغلبة الفئة القليلة{[23415]} ، هي التي تخرج من حد الاعتياد ، فيكون فيها آية الفئة القليلة على الحق ، والأخرى على الباطل ، وذلك نحو غلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بمن معه من المسلمين مع قلة عددهم وضعفهم في أنفسهم وكثرة أتباع الكفرة وقوتهم وجلادتهم في أنفسهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما نقموا منهم } أي لم يكن من المؤمنين بمكانهم جرم من ينتقم منهم بالإحراق سوى أن آمنوا بالله تعالى : [ وقيل : ما عابوا عليهم ، وما أنكروا منهم ، وفي هذا تبيين سفههم وعتوهم لأنهم علموا أن مالهم من النعم كلها من الله تعالى ، فكان الذي يحق عليهم أن يؤمنوا بالله تعالى ]{[23416]} ويشكروه بما خولهم من النعم ، ويدعوا غيرهم{[23417]} إلى الإيمان به ، لا أن يقتلوا ، ويعذبوا من آمن به .

ثم قوله تعالى : { العزيز الحميد } فالعزيز هو الذي لا وجود لمثله{[23418]} أو هو عزيز ، لا يلحقه ذل ، فيكون العز مقابل [ الذل ]{[23419]} .

وقال أهل التفسير : العز المنع ، والعزيز ، هو الذي لا يعجزه شيء ، والحميد{[23420]} : المستوجب الحمد من كل أحد بذاته .


[23411]:في الأصل وم: فذكر.
[23412]:في الأصل وم: أنفسهم.
[23413]:في الأصل وم: أنفسهم.
[23414]:في الأصل وم: الأولياء.
[23415]:في الأصل وم: الكثيرة.
[23416]:من م، ساقطة من الأصل.
[23417]:في الأصل وم: غير.
[23418]:في الأصل وم: له.
[23419]:ساقطة من الأصل وم.
[23420]:في الأصل وم: وهو الحميد.