تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (34)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ) قد ذكر .

وقوله تعالى : ( لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ) لأنهم كانوا يأكلون أموالهم بما يحرفون كتاب الله ، ويبذلونه كقوله : ( يحرفون الكلم عن مواضعه )[ النساء : 46 ] وقوله : ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب )الآية [ آل عمران : 78 ] فهم إنما حرفوا ذلك وبدلوه ، لتسلم لهم تلك الأموال ، فذلك أكل بباطل لأنهم خافوا ذهاب تلك المنافع والأموال إذا أسلموا .

فيجوز أن يكون إنما سماهم أربابا في الآية الأولى لما جعلوا أموالهم أموالا لأنفسهم وأنفسهم عبيدا لهم ، فهم كالأرباب لهم .

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) يحتمل أن يكون هذا صلة ما قال ، ( ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ) أي أخذوا أموالهم لصد الناس عن سبيل الله وكنزوها ، ولم ينفقوها في سبيل الله ، إنما أنفقوها لصد الناس عن سبيله .

ومن الناس من حمل الآية في منع الزكاة ؛ روي في الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين «أن كل مال أديت الزكاة عنه فهو ليس بكنز وإن كان[ في الأصل وم : أدى ] تحت سبع أرضين ، وكل مال لم تؤد زكاته[ في الأصل وم : الزكاة ] فهو كنز ، وإن كان على وجه الأرض »[ أبو داوود 1564 ] ، ومن أصحابها من استدل بلزوم ضم الفضة والذهب بعضه إلى بعض في الزكاة في هذه الآية لأنه ذكر كنز الذهب والفضة جميعا ، والحق الوعيد بترك الإنفاق من الفضة بقوله : ( ولا ينفقونها في سبيل الله ) فلولا أن الضم واجب ، أو يكون المؤدى عن أحدهما مؤدى عن الآخر ، وإلا لم يكن لذلك[ في الأصل وم : كذلك ] معنى .

ثم في متعارف الناس أنهم يؤدون من الفضة عن الذهب لأن الذهب أعز عندهم ، والفضة دونه .

ثم إن كانت الآية في الكفرة فهو في القبول كقوله ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )[ التوبة : 5 ] ، وقوله ( الذين يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )[ فصلت : 7 ] وذلك على القول لا في الأداء نفسه .