تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (42)

وقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ ) قال بعض أهل التأويل : ( لو كان عرضا قريبا أي غنيمة قريبة ( وسفر قاصدا ) أي هينا ( لاتبعوك ) في غزواتك[ في الأصل وم : غزاتك ] ( وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ ) يعني المسير ، وقيل العرض : الدنيا ( وسفرا قاصدا ) ليس فيه مشقة .

وأصل قوله : ( لو كان عرضا قريبا ) أي منافع حاضرة ( وسفرا قاصدا ) أي منافع غائبة ، والعرض المنافع . يقول : لو كانت لهم منافع حاضرة ( لاتبعوك ) في ما استتبعتهم لأن عادتهم اتباع المنافع ؛ يعني المنافقين كقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )[ الحج : 11 ] أخبر أنهم يعبدون الله على حرف ؛ وهو ما ذكر( فإن أصابه خير اطمأن به ) فمن عادتهم أنهم إنما يتبعون المنافع ، وإليها يميلون .

وأما المؤمنون يعبدون الله في كل حال : في حالة السعة وفي حالة الضيق ، ويتبعون رسول الله ، ولا يفارقونه ، كانت لهم منافع ، أو لم تكن ، أصابتهم مشقة ، أو لا ؛ هم لا يفارقون رسول الله على كل حال .

وقوله تعالى : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) أي لو كان لنا ظهر وسلاح ( لخرجنا معكم ) ولو كان [ معنا ][ ساقطة من الأصل وم ] زاد وما نشتر ما نحارب به ( لخرحنا معكم ) .

ثم أخبر أنه لهم استطاعة على ذلك ، وأنهم كاذبون أنه لا استطاعة لهم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ) ؟ [ التوبة : 46 ] .

وقالت المعتزلة : دل قوله : ( لو استطعنا لخرجنا معكم ) أن الاستطاعة تتقدم الفعل لأنه أخبر أنهم كاذبون في ما يقولون : إنه ليس معنا ما ننفق ، وما نشتري به السلاح . لكنا نقول : إن الاستطاعة على وجهين : استطاعة الأسباب والأحوال واستطاعة الأفعال .

واستطاعة الأسباب والأحوال يجوز أن تتقدم ، وهذه الاستطاعة هي استطاعة الأسباب والأحوال . ألا ترى أنه قال ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ) ؟ [ التوبة : 46 ] .

ومن قوله أيضا : أن استطاعة الأفعال لا تبقى أوقاتا . ثم إن هذه أخبر أنها كانت باقية أوقاتا . دل أنها استطاعة الأسباب والأحوال .

وقوله تعالى : ( يهلكون أنفسهم ) قيل ( يهلكون أنفسهم ) بأيمانهم الكاذبة أنهم لا يستطيعون . وقيل : ( يهلكون أنفسهم ) بتركهم الخروج لأنهم يُقتلون إذا تركوا الخروج كقوله ( ملعونين ) الآية[ الأحزاب : 61 ] . ويحتمل ( يهلكون أنفسهم ) في الآخرة بنفاقهم في الدنيا .