تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

وقوله تعالى : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ) أي لو كانوا خرجوا فيكم . ألا ترى أنه قال : ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ) ؟ [ التوبة : 46 ] دل هذا أنهم لم يكونوا خرجوا . ولو كانوا خرجوا لم يكن ثبطهم . دل أنه ما ذكرنا والانبعاث هو الخروج ، وكذلك في حرف ابن مسعود : ولكن كره الله خروجهم ، والتثبيط الحبس . وأصل التثبيط التثقيل .

وقال أبو عوسجة : الانبعاث هو القيام ، والخبال : قيل الفساد والشر ، وقيل : الغي ، وهو واحد .

وقوله تعالى : ( ما زادوكم إلا ) كذا . تحتمل/214-ب/ زيادة الخبال وجوها : تحتمل أن يكونوا عيونا للعدو ، ويخبروهم عن عورات المسلمين ؛ أو كانوا يجيئون أهل الإسلام بقولهم[ في الأصل وم : كقولهم ] : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم )[ آل عمران : 173 ][ ونحو ذلك ][ في الأصل : ونحو ، في م : ونحوه ] .

وقوله تعالى : ( وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ ) قيل : هو من إيضاع الإبل خلالكم ، يتخلل في ما بينكم . وقيل : ( وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ ) أي رواحلهم حتى يدخلوا بينكم حتى لا يصيبهم[ في الأصل وم : يصيبكم ] الأذى ؛ وكانوا[ أدرج بعدها في الأصل وم : لا ] يستترون بالمسلمين لئلا يصيبهم شيء من البلاء والشدة .

وقال القتبي : ( وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ ) من الموضع ، وهو سرعة السير . وقال أبو عوسجة : هو من الإيضاع يكون على الإبل . وهو عندي : من عدو الإبل ؛ يقال : أوْضَعْتُ البعير ، وركَّضْتُ الفرس ، وأَجْرَيْتُ الحمار ، ( خلالكم ) بينكم . وقيل : الخِلال : القتال ، وهو ما ذكرنا أنهم يُدخِلون فيهم النقصان والقتال والفشل .

وقوله تعالى : ( يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ ) قيل يبغون منكم الفتنة ، وهو الشرك الذي كانوا هم عليه . ويحتمل ما ذكرنا من القتل وإدخال الفشل والجُبن فهيم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) هذا يحتمل أن هؤلاء المنافقين يكونون سُماعا وخُبُرا وعيونا ؛ يخبرونهم عن عورات المسلمين وضعفهم ، ويحتمل قوله : ( وفيكم ) من المؤمنين ( سماعون لهم ) الآية : قيل : إنه كان في أصحاب النبي أهل محبة لهم وطاعة لشرفهم فيهم .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : ( يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) كان الرجل يرى الجماعة من المسلمين ، فيضرب دابته حتى يدخل بينهم ، ثم يقول : أبلغكم ما بلغني أن العدو أمامكم عوَّروا المياه ، وفعلوا كذا ، وهيئوا ؟

ويحتمل قوله : ( وفيكم سماعون لهم ) أي فيكم من المنافقين الذين قعدوا ، ولم يخرجوا ، يسمعون للمؤمنين الذين لم يخرجوا أيضا ما يكرهون ؛ يقولون : الدَّبْرَةُ على المؤمنين ، ونحو ذلك من الهزيمة .

وقوله تعالى : ( والله عليم بالظالمين ) أي لا عن جهل أمهلهم على ما هم عليه ، ولكن أخرهم ليوم كقوله : ( ولا تحسبن الله غافلا )الآية[ إبراهيم : 42 ] .