النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

قوله عز وجل : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكرُوا بِهِ } معنى ذلك أنهم تركوا ما ذَكَّرَهُم الله من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله .

{ فَتَحْنَا عَلَيْهِمُ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } يعني من نِعَمِ الدنيا وسَعَة الرزق .

وفي إنعامه عليهم مع كفرهم وجهان :

أحدهما : ليكون إنعامه عليهم داعياً إلى إيمانهم . والثاني : ليكون استدراجاً وبلوى ، وقد روى ابن لهيعة بإسناده عن عقبة ابن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا رَأَيْتَ اللَّه يعِطي العِبَادَ مَا يَشَاءُونَ عَلَى مَعَاصِيهِم إِيَّاهُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ " ثم تلا : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابِ كُلِّ شَيْءٍ } .

{ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا } يعني من النِّعَم فلم يؤمنوا .

{ أَخَذَنَاهُم بَغْتَةً } يحتمل وجهين .

أحدهما : أنه تعجيل العذاب المُهْلِك جزاء لأمرين .

أحدهما : لكفرهم به .

والثاني : لكفرهم بنِعَمِهِ .

والوجه الثاني : هو سرعة الموت عند الغفلة عنه بالنِّعَمِ قَطْعاً للذة ، وتعذيباً بالحسرة .

ثم قال تعالى : { فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } وفيه خمسة تأويلات :

أحدها : أن الإِبلاس : الإِياس قال عدي بن زيد :

ملك إذا حل العفاة ببابه *** غبطوا وأنجح منهم المستبلس

يعني الآيس .

والثاني : أنه الحزن والندم .

والثالث : الخشوع .

والرابع : الخذلان .

والخامس : السكوت وانقطاع الحجة ، ومنه قول العجاج :

يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً *** قال نعم أعرفه وأبلسا