قوله عز وجل : { قل هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً من فَوقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن العذاب الذي من فوقهم الرجم ، والذي من تحت أرجلهم الخسف ، قاله ابن جبير ، ومجاهد ، وأبو مالك .
والثاني : أن العذاب الذي من فوقهم أئمة السوء ، والعذاب الذي من تحت أرجلهم عبيد السوء ، قاله ابن عباس .
والثالث : أن الذي من فوقهم الطوفان ، والذي من تحت أرجلهم الريح ، حكاه علي بن عيسى .
ويحتمل أن العذاب الذي من فوقهم طوارق السماء التي ليست من أفعال العباد لأنها فوقهم ، والتي من تحت أرجلهم ما كان من أفعال العباد لأن الأرض تحت أرجل جميعهم{[894]} .
{ أَوْ يَلبِسَكُمْ شِيَعاً } فيه تأويلان :
أحدهما : أنها الأهواء المُخْتَلَقَة ، قاله ابن عباس .
والثاني : أنها الفتن والاختلاف ، قاله مجاهد .
ويحتمل ثالثاً : أي يسلط عليكم أتباعكم الذين كانوا أشياعكم ، فيصيروا لكم أعداء بعدما كانوا أولياء ، وهذا من أشد الانتقام أن يستعلي الأصاغر على الأكابر .
روي أن موسى بن عمران عليه السلام دعا ربه على قوم فأوحى الله إليه : { قد ملكت سفلتها عليتها ، فقال : يا ب أحب لهم عذابا عاجلا } فأوحى الله إليه : أو ليس هذا هو العذاب العاجل الأليم .
هذا قول المفسرين من أهل الظاهر ، وَتَأَوَّلَ بعض المتعمقين في غوامض المعاني { عَذَاباً مِن فَوقِكُمْ } معاصي السمع والبصر واللسان { أَوْمِن تَحْتِ أَرْجلِكُمْ } المشي إلى المعاصي حتى يواقعوها ، وما بينهما يأخذ بالأقرب منهما { أَوَ يَلبِسَكُمْ شِيَعاً } يرفع من بينكم الأُلفة .
{ وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ } تكفير أهل الأهواء بعضهم بعضاً{[895]} ، وقول الجمهور : { وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ } يعني بالحروب والقتل حتى يفني بعضهم بعضاً ، لأنه لم يجعل الظفر لبعضهم فيبقى .
{ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ } يحتمل وجهين :
أحدهما : نفصل آيات العذاب وأنواع الانتقام .
والثاني : نصرف كل نوع من الآيات إلى قوم ولا يعجزنا أن نجمعها على قوم .
{ لَعَلَّهُم يَفْقَهُونَ } أي يتعظون فينزجرون .
واختلف أهل التأويل في نزول هذه الآية على قولين :
أحدهما : أنها في أهل الصلاة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وأن نزولها شق على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ فقام ] فصلى صلاة الضحى وأطالها فقيل له : ما أطلت صلاة كاليوم ، فقال : " إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ ، إنِّي سَأَلتُ رَبِّي أَنْ يُجِيرَنِي مِنْ أَرْبعٍ فَأَجَارَنِي مِنْ خَصْلَتِينِ وَلَمْ يُجِرْنِي مِنْ خَصْلَتَينِ : سَأَلتُهُ أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِعَذَابٍ مِنْ فَوقِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَومِ نُوْحٍ ، وَبِقَومِ لُوطٍ فَأَجَارَنِي ، وَسَأَلتُهُ أَلاَّ يَهْلِكَ أُمَّتِي بعذَاب مِنْ تَحْتِ أَرْجلِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ{[896]} فَأَجَارنِي ، وَسَأَلتُهُ أََلاَّ يُفَرِّقَهُمْ شِيَعاً فَلَمْ يُجِرْنِي ، وَسَأَلتُهُ أَلاَّ يُذِيقَ بَعْضَهُم بَاسَ بَعْضٍ فَلَمْ يُجِرْنِي " وَنَزَلَ عَلَيهِ قَولُه تعالى :
{ الم أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }
والقول الثاني : أنها نزلت في المشركين ، قاله بعض المتأخرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.