النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

قوله عز وجل : { قل هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً من فَوقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن العذاب الذي من فوقهم الرجم ، والذي من تحت أرجلهم الخسف ، قاله ابن جبير ، ومجاهد ، وأبو مالك .

والثاني : أن العذاب الذي من فوقهم أئمة السوء ، والعذاب الذي من تحت أرجلهم عبيد السوء ، قاله ابن عباس .

والثالث : أن الذي من فوقهم الطوفان ، والذي من تحت أرجلهم الريح ، حكاه علي بن عيسى .

ويحتمل أن العذاب الذي من فوقهم طوارق السماء التي ليست من أفعال العباد لأنها فوقهم ، والتي من تحت أرجلهم ما كان من أفعال العباد لأن الأرض تحت أرجل جميعهم{[894]} .

{ أَوْ يَلبِسَكُمْ شِيَعاً } فيه تأويلان :

أحدهما : أنها الأهواء المُخْتَلَقَة ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنها الفتن والاختلاف ، قاله مجاهد .

ويحتمل ثالثاً : أي يسلط عليكم أتباعكم الذين كانوا أشياعكم ، فيصيروا لكم أعداء بعدما كانوا أولياء ، وهذا من أشد الانتقام أن يستعلي الأصاغر على الأكابر .

روي أن موسى بن عمران عليه السلام دعا ربه على قوم فأوحى الله إليه : { قد ملكت سفلتها عليتها ، فقال : يا ب أحب لهم عذابا عاجلا } فأوحى الله إليه : أو ليس هذا هو العذاب العاجل الأليم .

هذا قول المفسرين من أهل الظاهر ، وَتَأَوَّلَ بعض المتعمقين في غوامض المعاني { عَذَاباً مِن فَوقِكُمْ } معاصي السمع والبصر واللسان { أَوْمِن تَحْتِ أَرْجلِكُمْ } المشي إلى المعاصي حتى يواقعوها ، وما بينهما يأخذ بالأقرب منهما { أَوَ يَلبِسَكُمْ شِيَعاً } يرفع من بينكم الأُلفة .

{ وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ } تكفير أهل الأهواء بعضهم بعضاً{[895]} ، وقول الجمهور : { وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأسَ بَعْضٍ } يعني بالحروب والقتل حتى يفني بعضهم بعضاً ، لأنه لم يجعل الظفر لبعضهم فيبقى .

{ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : نفصل آيات العذاب وأنواع الانتقام .

والثاني : نصرف كل نوع من الآيات إلى قوم ولا يعجزنا أن نجمعها على قوم .

{ لَعَلَّهُم يَفْقَهُونَ } أي يتعظون فينزجرون .

واختلف أهل التأويل في نزول هذه الآية على قولين :

أحدهما : أنها في أهل الصلاة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وأن نزولها شق على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ فقام ] فصلى صلاة الضحى وأطالها فقيل له : ما أطلت صلاة كاليوم ، فقال : " إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ ، إنِّي سَأَلتُ رَبِّي أَنْ يُجِيرَنِي مِنْ أَرْبعٍ فَأَجَارَنِي مِنْ خَصْلَتِينِ وَلَمْ يُجِرْنِي مِنْ خَصْلَتَينِ : سَأَلتُهُ أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِعَذَابٍ مِنْ فَوقِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَومِ نُوْحٍ ، وَبِقَومِ لُوطٍ فَأَجَارَنِي ، وَسَأَلتُهُ أَلاَّ يَهْلِكَ أُمَّتِي بعذَاب مِنْ تَحْتِ أَرْجلِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ{[896]} فَأَجَارنِي ، وَسَأَلتُهُ أََلاَّ يُفَرِّقَهُمْ شِيَعاً فَلَمْ يُجِرْنِي ، وَسَأَلتُهُ أَلاَّ يُذِيقَ بَعْضَهُم بَاسَ بَعْضٍ فَلَمْ يُجِرْنِي " وَنَزَلَ عَلَيهِ قَولُه تعالى :

{ الم أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }

[ العنكبوت : 221 ]

والقول الثاني : أنها نزلت في المشركين ، قاله بعض المتأخرين .


[894]:- سقط من ق.
[895]:- من ويحتمل ثالثا إلى هنا سقط من ق.
[896]:- جعلت هذه العبارة قولا مستقلا واعتبرت الأقوال أربعة في ق