النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (128)

قوله عز وجل : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } فيه قراءتان :

إحداهما : من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه :

أحدها : من أكثركم طاعة لله تعالى .

الثاني : من أفضلكم خلقاً .

الثالث : من أشرفكم نسباً .

والقراءة الثانية : بضم الفاء ، وفي تأويلها أربعة أوجه :

أحدها : يعني من المؤمنين لم يصبه{[1306]} شيء من شرك ، قاله محمد بن علي .

الثاني : يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية ، قاله جعفر بن محمد . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ " {[1307]}

الثالث : ممن تعرفونه بينكم ، قاله قتادة .

الرابع : يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه ، قاله الكلبي .

{ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتمُ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : شديد عليه ما شق عليكم ، قاله ابن عباس .

الثاني : شديد عليه ما ضللتم ، قاله سعيد بن أبي عروبة .

الثالث : عزيز عليه ما عنت مؤمنكم ، قاله قتادة .

{ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ } قاله الحسن : حريص عليكم أن تؤمنوا .

{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فيه وجهان :

أحدهما : بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح .

الثاني : بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات ، وهو محتمل .


[1306]:الضمير في يصبه عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم.
[1307]:لم أجده بهذه الألفاظ لكن هناك أحاديث بمعناه منها قوله صلى الله عليه وسلم: ما ولدتني بغي قط منذ كنت في صلب آدم (سيرة هشام 1/115).