الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (128)

وقوله عز وجل : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] . مخاطبةٌ للعرب في قول الجمهور ، وهذا على جهة تعديدِ النعمة عَلَيْهِمْ ؛ إِذْ جاءَهم بلسانِهِمْ ، وبما يفهمونه منَ الأَغراض والفصاحةِ ، وشُرِّفوا به غَابِرَ الدهْرِ .

وقوله : { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } : يقتضي مدْحاً لنسبه صلى الله عليه وسلم ، وأنه من صميمِ العَرَبِ ، وشَرَفِها ، وقرأ عبد اللَّه بن قُسَيْطٍ المَكِّيُّ : «مِنْ أَنْفَسِكُمْ » بفتح الفاء ؛ من النَّفَاسة ، ورويتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم .

وقوله : { مَا عَنِتُّمْ } : معناه عَنَتُكُمْ ؛ ف«ما » مصدريةٌ ، والعَنَت : المشقَّة ، وهي هنا لفظةٌ عامَّة ، أي : عزيز عليه مَا شَقَّ عليكم : مِنْ قتلٍ وأسارٍ وامتحان ؛ بحسب الحَقِّ واعتقادكم أيضاً معه ، { حَرِيصٌ َعلَيْكُم } أي : علَى إيمانكم وهداكم .

وقوله : { بالمؤمنين رَءُوفٌ } أي : مبالغٌ في الشفقة عليهم ، قال أبو عُبَيْدة : الرَّأْفَة أرقُّ الرحمة .