غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (128)

120

ثم لما أمر رسوله في هذه السورة بتبليغ تكاليف شاقة يعسر تحملها ختم السورة بما يهون الخطب في تحملها فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي من جنس البشر لا الملك لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آلف وآنس ، أو الخطاب للعرب والمقصود ترغيبهم في نصرته والقيام بخدمته لأن كل ما يحصل له من الدولة والرفعة فإن ذلك سبب لعزهم وفخرهم لأنه من أبناء جلدتهم ، أو الخطاب لأهل الحرم خاصة لأنهم كانوا يسمون أهل الحرم أهل الله وخاصته وكانوا يخدمونهم ويقومون بإصلاح مهماتهم فكأنه قيل لهم : كنتم قبل مقدمه مجدين في خدمة أسلافه فلم تتكاسلون في خدمته مع أنه لا نسبة له في الشرف إلى آبائه ؟ أو المقصود من ذكر هذه الصفة التنبيه على طهارته كأنه قيل : هو من عشيرتكم تعرفونه بالصدق والأمانة والعفاف ، وتعرفون كونه حريصاً على دفع الآفات عنكم وإيصال الخيرات إليكم . فإرسال من هذه حاله وصفته يكون من أعظم نعم الله عليكم . وقرئ { من أنفسكم } بفتح الفاء أي من أشرفكم وأفضلكم . وتنسب هذه القراءة إلى النبي والوصي وأهل البيت عليهم السلام . ثم وصفه بما تستتبعه المجانسة والمناسبة من النتائج وذلك قوله : { عزيز عليه ما عنتم } العزة الغلية والشدة والعنت المشقة والوقوع في المكروه والإثم . و«ما » مصدرية أي شديد شاق عليه - لكونه بعضاً منكم - عنتكم ولقاؤكم المكروه ، وأولى المكاره بالدفع عقاب الله وهو إنما أرسل لدفع هذا المكروه . { حريص عليكم } الحرص يمتنع أن يتعلق بذواتهم فالمراد حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدارين ؛ فالصفة الأولى لدفع الآفات والثانية لإيصال الخيرات والسعادات فلا تكرار . وقال الفراء : الحريص الشحيح والمعنى أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار وفيه نوع تكرار . ثم بين أنه رحمة للعاملين فقال { بالمؤمنين } أي منكم ومن غيركم { رؤوف رحيم } قال ابن عباس : لم يجمع الله بين اسمين من أسمائه إلا له ، وحاصل هذه الخاتمة أن هذا الرسول منكم فكل ما يحصل له من العز والشرف فذاك عائد إليكم وإنه كالطبيب الحاذق وكالأب الشفيق وإذا عرف أن الطبيب حاذق والأب مشفق فالعلاج والتأديب منهما إحسان وإحمال ، وإن كان صعباً مؤلماً فاقبلوا ما أمركم به من التكاليف وإن كانت شاقة لتفوزوا بسعادة الدارين .

/خ129