تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (128)

وقوله تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ ) اختلف فيه : قال بعضهم : ( رسول من أنفسكم ) من البشر ، وهو امتنان منه عليهم حين[ في الأصل وم : حيث ] بعث الرسول من البشر ، وله أن يبعث من غير البشر ، لكنه بعث من البشر ليعرفوا الآيات الت يأتي بها من التمويهات لأنهم يعرفون مبلغ وسع البشر في الأشياء في التعليم عرفوا أنها آيات لا تمويهات مع ما[ ساقطة من م ] أن يتألف كل جنس بجنسه ، وينفر من غير جنسه . وينفر من غير جنسه . هذا ظاهر في الخلائق أن كل ذي جنس يألف جنسه[ في الأصل وم : بجنسه ] ، ولا يألف غير[ في الأصل وم : بغير ] جنسه ، فبعث الرسول من البشر ومن جنسهم ليتآلفوا به ، ويقبلوا منه ما يأتيهم به ، يجيبوه[ في الأصل وم : ويجيبهم ] إلى ما يدعوهم إليه .

وقال بعضهم : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ ) أي من المكان الذي أنتم فيه ، وهو الحرم . وقال آخرون : ( من أنفسكم ) أي من أنسابكم ، هو أيضا موضع الامتنان عليهم حين[ في الأصل وم : حيث ] بعثه من أنسابهم ؛ يعرفون نسبه ومولده ومنشأه[ من م ، في الأصل : نشأته ] من بين أظهرهم سليما من جميع الآفات بريئا من جميع المطاعن والعيوب لأن المرء إذا كان مولده ومنشؤه في قبيلة أو في مكان لا يعرف له النسب ربما يتمكن فيه الطعن والعيب ، ويقع التناكر في نسبه لجهلهم بنسبه ومولده ومنشئه[ في الأصل وم : به ] على السلامة والصحة والبراءة من العيوب .

فبعث رسول محمدا صلى الله عليه وسلم لئلا يتمكن فيه ما ذكرنا من المطاعن ، ولا يعرف شيء من العيوب والآفات التي ذكرنا فيه .

وقال بعضهم : ( من أنفسكم ) من العرب أميا كما هم ، لا يكتبن ولا يخطه بيمينه على ما وصفه في كتابه ( النبي الأمي الذي يجدونه )الآية[ الأعراف : 157 ] وقال : ( ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون )[ العنكبوت : 48 ] وذلك أن العرب كانت تتمنى أن يبعث رسول منهم بقولهم[ في الأصل وم : بقوله ] ( لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم )[ فاطر : 42 ] ذكر مجيء الرسول من أنفسهم ليكون أبعد عن المطاعن التي طعنوا فيه والآفات التي ذكروا فيه والبراءة من العيوب التي فرقوا بها[ في الأصل وم : بكذب ] من السحر والكهانة والجنون والافتراء على الله ، وأقرب إلى المعرفة بأنه رسول لأنه لما يأتيهم من الآيات والحجج يعرفون أنها سماوية لما عرفوا أنه لم يتعلم السحر ، ولا أخذوا عليه كذبا[ في الأصل وم : بكذب ] قط ، ولا جن قط بما كان نشأ في ما بين أظهرهم .

وقوله تعالى : ( عزيز عليهم ما عنتم ) قيل : شديد عليه ما أعنتكم ؛ أي ما ضيق عليكم ، وقال القتبي : العنت الضيق ، وقال بعضهم : العنت الإثم ؛ أي شديد عليه ما أثمتم ، وقال أبو عوسجة : هو إلى الإثم أقرب ، وهو يحتمل كل إثم : الكفر وغيره ( حريص عليكم ) قال بعضهم على من لم يسلم أن يسلم ، ( حريص عليكم ) بالهدى والرشد ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) رحمة الدين والإسلام لا رحمة الطبع .

قال الشيخ أبو منصور الماتريدي[ في الأصل : ماتريدي ، ساقطة من م ] ، رحمه الله ، في قوله : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) سماه بفعله العمل الحسن وبرأفته ورحمته بذلك ؛ أي استحق ذلك الاسم بفعله . وإنما سماه بذلك لأن عمله كان لله لم يكن عمله لنفسه شيئا ، وكذلك ماله واكتسابه به ؛ فلذلك لم يكن ماله ميراثا بين ورثته .