الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَآءٖۖ وَإِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٞ مَّا تُوعَدُونَ} (109)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عن الإقرار بالإيمان، بأن لا إله لهم إلا إله واحد، فأعرضوا عنه وأبوا الإجابة إليه، فقل لهم: قَدْ "آذَنْتُكُمْ عَلى سَوَاءٍ "يقول: أعلمهم أنك وهم على علم من أن بعضكم لبعض حرب، لا صلح بينكم ولا سلم.

وإنما عُني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُرَيش...

وقوله: "وَإنْ أدْرِي أقَرِيبٌ أمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ" يقول تعالى ذكره لنبيه: قل وما أدري متى الوقت الذي يحلّ بكم عقاب الله الذي وعدكم، فينتقم به منكم، أقريب نزوله بكم أم بعيد؟

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فإن تولوا} هذا يدل على أن الأول خرج على الأمر والدعاء حين قال: {فإن تولوا} عن الإجابة إلى ما تدعونهم إليه: {فقل آذنتكم على سواء} أي أعلمتكم على عدل وحق كقوله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] أي عدل بيننا وبينكم. فعلى ذلك هذا محتمل: أن يكون قوله: {على سواء} أي على عدل وحق. ويحتمل أيضا: {آذنتكم على سواء} أي أعلمتكم حتى صرت أنا وأنتم في العلم على سواء، أي على الاستواء في العداوة والمخالفة، وفي كل أمر على الاستواء. وهو كقوله: {فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 58] على الاستواء في العداوة، أي انبذ إليهم حتى تكون أنت وهم على الاستواء في العلم بالمنابذة، والله أعلم.

{وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} أي ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون؟ ثم يحتمل قوله: {ما توعدون} الساعة والقيامة التي كانوا يوعدون بها، وهم كانوا يستعجلون بها كقوله: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} [الشورى: 18] فيقول: ما أدري أقريب ما توعدون أم بعيد؟ ويحتمل قوله: {ما توعدون} من العذاب الذي كان يعد لهم أنه نازل بهم في الدنيا، وهم كانوا يستعجلون به قوله: {يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [الملك: 25] فيقول: ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون من العذاب؟ والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

آذن منقول من أذن إذا علم، ولكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار. ومنه قوله تعالى: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]

والمعنى: أني بعد توليكم وإعراضكم عن قبول ما عرض عليكم من وجوب توحيد الله وتنزيهه عن الأنداد والشركاء، كرجل بينه وبين أعدائه هدنة فأحس منهم بغدرة فنبذ إليهم العهد، وشهر النبذ وأشاعه وآذنهم جميعاً بذلك {على سَوَاء} أي مستوين في الإعلام به، لم يطوه عن أحد منهم وكاشف كلهم، وقشر العصا عن لحائها،و {ما تُوعَدُونَ} من غلبة المسلمين عليكم كائن لا محالة، ولا بد من أن يلحقكم بذلك الذلة والصغار.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى {آذنتكم على سواء} معناه عرفتكم بنذارتي وأردت أن تشاركوني في معرفة ما عندي من الخوف عليكم من الله تعالى،

ثم أعلمهم بأنه لا يعرف تعيين وقت لعقابهم بل هو مترقب في القرب والبعد وهذا أهول وأخوف.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان توليهم بعد هذه القواطع مستبعد، أشار إلى ذلك بإيراده بأداة الشك فقال: {فإن تولوا} أي لم يقبلوا ما دعوتهم إليه {فقل} أي لهم: {ءاذنتكم} أي أعلمتكم ببراءتي منكم وأني غير راجع إليكم أبداً كما أنكم تبرأتم مني ولم ترجعوا إليّ، فصار علمكم أن لا صلح بيننا مع التولي كعلمي وعلم من اتبعني. لتتأهبوا لجميع ما تظنونه ينفعكم، فهو كمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس منهم بغدره، فنبذ إليهم العهد، شهر ذلك النبذ وأشاعه فلم يخفه عن أحد منهم، وهو مما اشتهر أنه بلغ النهاية في الفصاحة والوجازة، أو أبلغتكم جميع ما أرسلت به ولم أخص به أحداً دون أحد، وهذا كله معنى {على سواء} أي إيذاناً مستعلياً على أمر نصف وطريق عدل، ليس فيه شيء من خفاء ولا غش ولا خداع ولا غدر، بل نستوي فيه نحن وأنتم.

ولما كان من لازم البراءة من شخص الإيقاع به كان موضع أن يقولوا هزؤاً على عادتهم: نبذت إلينا على سواء فعجل لنا ما تتوعدنا به، فقال: {وإن} أي وما {أدري أقريب} جداً بحيث يكون قربه على ما تتعارفونه {أم بعيد ما توعدون} من عذاب الله في الدنيا بأيدي المسلمين أو بغيره، أو في الآخرة مع العلم بأنه كائن لا محالة، وأنه لا بد أن يلحق من أعرض عن الله الذل والصغار.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أي كشفت لكم ما عندي فأنا وأنتم على علم سواء. والإيذان يكون في الحرب لإنهاء فترة السلم، وإعلام الفريق الآخر أنها حرب لا سلام.. أما هنا -والسورة مكية ولم يكن القتال قد فرض بعد- فالمقصود هو أن يعلنهم بأنه قد نفض يده منهم، وتركهم عالمين بمصيرهم، وأنذرهم عاقبة أمرهم. فلم يعد لهم بعد ذلك عذر، فليذوقوا وبال أمرهم وهم عالمون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والإيذان: الإعلام، وهو بوزن أفعل من أذِن لكذا بمعنى سمع. واشتقاقه من اسم الأُذُن، وهي جارحة السمع، ثم استعمل بمعنى العلم بالسمع، ثم شاع استعماله في العلم مطلقاً. وأما (آذن) فهو فعل متعد بالهمزة وكثر استعمال الصيغتين في معنى الإنذار، وهو الإعلام المشوب بتحذير. فمن استعمال أذِن قوله تعالى: {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 279]، ومن استعمال (آذن) قول الحارث بن حِلزة: آذنتنا ببينها أسماء. وحذف مفعول {آذنتكم} الثاني لدلالة قوله تعالى {ما توعدون} عليه، أو يقدر: آذنتكم ما يوحى إليّ لدلالة ما تقدم علي؟؟. والأظهر تقدير ما يشمل المعنيين كقوله تعالى: {فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} [هود: 57].