الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

تفسير الشافعي 204 هـ :

قال الشافعي: فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة: « عباد الله أجيبوا داعي الله» فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء. فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من وافاه يقولون: لبيك داعي ربنا لبيك. (الأم: 2/141)...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: عهدنا إليه أيضا أن أذّن في الناس بالحجّ يعني بقوله:"وأذّنْ" أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام.

"يَأْتُوكَ رِجالاً "يقول: فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم، "وَعَلى كُلّ ضَامِرٍ" يقول: وركبانا على كلّ ضامر، وهي الإبل المهازيل، "يَأْتِينَ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ" يقول: تأتي هذه الضوامر من كلّ فجّ عميق يقول: من كلّ طريق ومكان ومسلك بعيد...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأذن في الناس بالحج} يحتمل وجهين: أحدهما: على الإعلام، أن أعلم الناس أن لله عليهم الحج بالبيت كقوله: {ولله على الناس حج البيت} الآية [آل عمران: 97]. والثاني: {وأذن في الناس بالحج} أي ادع الناس، ونادهم أن يحجوا البيت.

قال أهل التأويل: لما أمر الله إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج، فنادى، فأسمع الله صوته ما بين المشرق والمغرب حتى أسمع صوته ونداءه من [في] أصلاب الرجال وأرحام النساء، قالوا: لَبَّيْكَ، ومن حج بيته فهو الذي أجاب إبراهيم لما ناداهم.

لكن لا يُعلم ذلك إلا بالخبر عن رسول الله أنه كان ما ذكروا، وإلا فالسكوت عنه وعن مثله أولى.

{يأتين من كل فج عميق} أضاف الإتيان إلى الدواب لأنه بالدواب يأتون، فأضاف إليها لذلك، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وقدَّم الرَّجالةَ على الركبان لأنَّ الحَمْلَ على المركوب أكثر...

ويقال {يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} هذا على وجه المدح وسبيل الشكر منهم...

وكم قَدْرُ مسافةِ الدنيا بجملتها!؟ ولكنْ لأِجْلِ قَدْرِ أفعالهم وتعظيمِ صنيعِهم يقول ذلك إظهاراً لفضله وكرمه.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

قال ابن عباس: ما أتأسف على شيء، تأسفي أني لم أحج ماشيا؛ لأن الله تعالى قدم المشاة على الركبان.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

وإنما قال "يأتوك "وإن كانوا يأتون الكعبة؛ لأن المنادي إبراهيم، فمن أتى الكعبة حاجا فكأنما أتى إبراهيم؛ لأنه أجاب نداءه، وفيه تشريف إبراهيم.وقدم الرجال على الركبان في الذكر لزيادة تعبهم في المشي. لا خلاف في جواز الركوب والمشي...

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :

{وَأَذّن فِى الناس بالحج} ناد فيهم، والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أي: أعلمهم به، وادعهم إليه، وبلغ دانيهم وقاصيهم، فرضه وفضيلته، فإنك إذا دعوتهم، أتوك حجاجا وعمارا، رجالا، أي: مشاة على أرجلهم من الشوق، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: ناقة ضامر، تقطع المهامه والمفاوز، وتواصل السير، حتى تأتي إلى أشرف الأماكن، {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: من كل بلد بعيد، وقد فعل الخليل عليه السلام، ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم، فدعيا الناس إلى حج هذا البيت، وأبديا في ذلك وأعادا، وقد حصل ما وعد الله به، أتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الأرض ومغاربها، ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام، مرغبا فيه فقال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم أمر الله نبيه -عليه السلام -باني البيت- إذا فرغ من إقامته على الأساس الذي كلف به أن يؤذن في الناس بالحج؛ وأن يدعوهم إلى بيت الله الحرام ووعده أن يلبي الناس دعوته، فيتقاطرون على البيت من كل فج،.. وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم -عليه السلام- إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة من الناس تهوى إلى البيت الحرام؛ وترف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر الذي يجد الظهر يركبه ووسيلة الركوب المختلفة تنقله؛ والفقير المعدم الذي لا يجد إلا قدميه. وعشرات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم -عليه السلام- منذ آلاف الأعوام ...

...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وأذّن} عطف على {وطهر بيتي}. وفيه إشارة إلى أن من إكرام الزائر تنظيف المنزل وأنّ ذلك يكون قبل نزول الزائر بالمكان.والتأذين: رفع الصوت بالإعلام بشيء. وأصله مضاعف أذن إذا سمع ثم صار بمعنى بلغه الخبر فجاء منه آذن بمعنى أخبر. وأذّن بما فيه من مضاعفة الحروف مشعر بتكرير الفعل، أي أكثر الإخبار بالشيء. والكثرة تحصل بالتكرار وبرفع الصوت القائم مقام التكرار...والناس يعمّ كل البشر، أي كل ما أمكنه أن يبلغ إليه ذلك. والمراد بالحجّ: القصد إلى بيت الله. وصار لفظ الحجّ علماً بالغلبة على الحضور بالمسجد الحرام لأداء المناسك. ومن حكمة مشروعيته تلقي عقيدة توحيد الله بطريق المشاهدة للهيكل الذي أقيم لذلك حتى يرسخ معنى التوحيد في النفوس لأن للنفوس ميلاً إلى المحسوسات ليتقوى الإدراك العقلي بمشاهدة المحسوس. فهذه أصل في سنّة المؤثرات لأهل المقصد النافع. وفي تعليق فعل {يأتوك} بضمير خطاب إبراهيم دلالة على أنه كان يحضر موسم الحجّ كل عام يبلّغ للناس التوحيد وقواعد الحنيفية...

والضامر: قليل لحم البطن. والضمور من محاسن الرواحل والخيلِ لأنه يعينها على السير والحركة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والخلق جميعا خلق الله، فلماذا تقتصر رؤية البيت على من قدر له أن يمر به، أو يعيش إلى جواره؟. فأراد الحق- سبحانه وتعالى- أن يشيع هذه الميزة بين خلقه جميعا، فيذهبوا لرؤية بيت ربهم، وإن كانت المساجد كلها بيوت الله، إلا أن هذا البيت بالذات هو بيت الله باختيار الله، لذلك جعله قبلة لبيوته التي اختارها الخلق. إن من علامات الولاء بين الناس أن نزور قصور العظماء وعلية القوم، ثم يسجل الزائر اسمه في سجل الزيارات، ويرى في ذلك شرفا ورفعة، فما بالك ببيت الله، كيف تقتصر زيارته ورؤيته على أهله والمجاورين له أو من قدر لهم المرور به فلماذا أخذ الحج بالذات هذه المكانة؟ نقول: أركان الإسلام تبدأ بالشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج، لو نظرت إلى هذه الأركان لوجدت أن الحج هو الركن الوحيد الذي يجتهد المسلم في أدائه وإن لم يكن مستطيعا له فتراه يوفر ويقتصد حتى من قوته، وربما حرم نفسه ليؤدي فريضة الحج، ولا يحدث هذا ولا يتكلفه الإنسان إلا في هذه الفريضة، لماذا؟ قالوا: لأن الله تعالى حكم في هذه المسألة فقال: أذن- يأتوك، هكذا رغما عنهم، ودون اختيارهم، ألا ترى الناس ينجذبون لأداء هذه الفريضة، وكأن قوة خارجة عنهم تجذبهم...

. وتقديم الماشين على الراكبين تأكيد للحكم الإلهي {يأتوك} فالجميع حريص على أداء الفريضة حتى إن حج ماشيا.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} وأعلن ذلك في كل نداءاتك، كتشريع تقرّره وتثبته، لا مجرد صوت تطلقه، ليشعروا من خلال ذلك بأن هناك إلزاماً إلهيّاً يدفعهم إلى الامتثال، ويقودهم إلى الطاعة {يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} أي طريق بعيد، لما توحيه كلمة العمق من امتداد ضارب في المجهول.