بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

ثم قال الله عز وجل : { وَأَذّن فِى الناس بالحج } ، يعني : ناد في الناس ، وذلك أن إبراهيم لما فرغ من بناء الكعبة ، أمره الله تعالى أن ينادي ، فصعد إبراهيم على أبي قبيس ونادى : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم . إن الله تعالى قد بنى بيتاً وأمركم بأن تحجوه ؛ وقال مجاهد : فقام إبراهيم على المقام ، فنادى بصوت أسمع من بين المشرق والمغرب : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم ، فأجابوه من أصلاب الرجال : لبيك . قال : فإنما يحج من أجاب إبراهيم يومئذٍ ؛ ويقال : التلبية اليوم جواب الله عز وجل من نداء إبراهيم عن أمر ربه ، فذلك قوله : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } ، يعني : على أرجلهم مشاة { وعلى كُلّ ضَامِرٍ } ، يعني : على الإبل وغيرها . فلا يدخل بعيره ولا غيره الحرم ، إلا وقد ضمر من طول الطريق .

{ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ } ، أي من نواحي الأرض { عَميِقٍ } ، يعني : بعيد . وقال مجاهد : الفج الطريق ، والعميق البعيد ، وقال : إن إبراهيم وإسماعيل . عليهما السلام حجا ماشيين ؛ وقال ابن عباس : ما آسى على شيء ، إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً ، لأن الله تعالى قال : { يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلّ ضَامِرٍ } .

قال الفقيه أبو الليث : هذا إذا كان بيته قريباً من مكة ؛ فإذا حج ماشياً ، فهو أحسن . وأما إذا كان بيته بعيداً ، فالركوب أفضل . وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال : الراكب أفضل ، لأن في المشي يتعب نفسه ويسوء خلقه . وإن كان الرجل يأمن على نفسه أن يصبر ، فالمشي أفضل ، لأنه روي في الخبر أن الملائكة عليهم السلام تتلقى الحاج ، فيسلمون على أصحاب المحامل ، ويصافحون أصحاب البعير والبغال والحمير ويعانقون المشاة .