البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ} (27)

الضامر : المهزول . العميق : البعيد ، وأصله البعد سفلاً يقال : بئر عميق أي بعيدة الغور ، والفعل عمق وعمق . قال الشاعر :

إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة *** يمد بها في السير أشعث شاحب

ويقال : غميق بالغين . وقال الليث : يقال عميق ومعيق لتميم ، وأعمقت البئر وأمعقتها وقد عمقت ومعقت عماقة ومعاقة وهي بعيدة العمق والمعق والأمعاق والأعماق أطراف المفازة قال :

وقائم الأعماق خاوي المخترق . .

وقرأ الجمهور { وأذّن } بالتشديد أي ناد .

روي أنه صعد أبا قبيس فقال : يا أيها الناس حجوا بيت ربكم وتقدم قول من قال إنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقاله الحسن قال : أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع .

وقرأ الحسن وابن محيصن وآذن بمدة وتخفيف الذال .

قال ابن عطية : وتصحف هذا على ابن جني فإنه حكى عنهما { وأذن } على فعل ماض ، وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على { بوّأنا } انتهى .

وليس بتصحيف بل قد حكى أبو عبد الله الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من جمعه .

وصاحب اللوامح أبو الفضل الرازي ذلك عن الحسن وأبن محيصن .

قال صاحب اللوامح : وهو عطف على { وإذ بوّأنا } فيصير في الكلام تقديم وتأخير ، ويصير { يأتوك } جزماً على جواب الأمر الذي هو { وطهر } انتهى .

وقرأ ابن أبي إسحاق { بالحج } بكسر الحاء حيث وقع الجمهور بفتحها .

وقرأ الجمهور { رجالاً } وابن أبي إسحاق بضم الراء والتخفيف ، وروي كذلك عن عكرمة والحسن وأبي مجلز ، وهو اسم جمع كظؤار وروي عنهم وعن ابن عباس ومجاهد وجعفر بن محمد بضم الراء وتشديد الجيم .

وعن عكرمة أيضاً رجالى على وزن النعامى بألف التأنيث المقصورة ، وكذلك مع تشديد الجيم عن ابن عباس وعطاء وابن حدير ، ورجال جمع راجل كتاجر وتجار .

وقرأ الجمهور { يأتين } فالظاهر عود الضمير { على كل ضامر } لأن الغالب أن البلاد الشاسعة لا يتوصل منها إلى مكة بالركوب ، وقد يجوز أن يكون الضمير يشمل { رجالاً } و { كل ضامر } على معنى الجماعات والرفاق .

وقرأ عبد الله وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة يأتون غلب العقلاء الذكور في البداءة برجال تفضيلاً للمشاة إلى الحج .

وعن ابن عباس : ما آسى على شيء فاتني أن لا أكون حججت ماشياً ، والاستدلال بقوله { يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر } على سقوط فرض الحج على من يركب البحر ولا طريق له سواه ، لكونه لم يذكر في هذه الآية ضعيف لأن مكة ليست على بحر ، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين مشي أو ركوب ، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها .

وقرأ ابن مسعود فج معيق .