المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

256- لا إجبار لأحد على الدخول في الدين ، وقد وضح بالآيات الباهرة طريق الحق ، وطريق الضلال ، فمن اهتدى إلى الإيمان وكفر بكل ما يطغى على العقل ، ويصرفه عن الحق ، فقد استمسك بأوثق سبب يمنعه من التردي في الضلال ، كمن تمسك بعروة متينة محكمة الرباط تمنعه من التردي في هوة ، والله سميع لما تقولون ، عليم بما تفعلون ومجازيكم على أفعالكم{[24]} .


[24]:سبق التعليق عليها من ناحية القانون الدولي عند التعليق على آيات القتال من 190 ـ 195 من هذه السورة.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة ، والمقلاة من النساء لا يعيش لها ولد ، وكانت تنذر : لئن عاش لها ولد لتهودنه ، فإذا عاش ولدها جعلته في اليهود ، فجاء الإسلام وفيهم منهم ، فلما أجلبت بنو النضير كان فيهم عدد من أولاد الأنصار ، فأرادت الأنصار استردادهم وقالوا : هم أبناؤنا وإخواننا فنزلت هذه الآية : ( لا إكراه في الدين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خير أصحابكم ، فإن اختاروكم فهم منكم ، وإن اختاروهم فأجلوهم معهم . وقال مجاهد : كان ناس مسترضعين في اليهود من الأوس ، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير قال : الذين كانوا مسترضعين فيهم : لنذهبن معهم ولندينن بدينهم ، فمنهم أهلوهم ، فنزلت ( لا إكراه في الدين ) . وقال مسروق : كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام فلزمهما أبوهما وقال : لا أدعكما حتى تسلما ، فتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ فأنزل الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) . فخلى سبيلهما . وقال قتادة وعطاء : نزلت في أهل الكتاب إذا قبلوا الجزية ، وذلك أن العرب كانت أمة أمية لم يكن لهم كتاب فلم يقبل منهم إلا الإسلام ، فلما أسلموا طوعاً أو كرهاً أنزل الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) فأمر بقتال أهل الكتاب إلى أن يسلموا أو يقروا بالجزية فمن أعطى منهم الجزية لم يكره على الإسلام ، وقيل : كان هذا في الابتداء قبل أن يؤمر بالقتال فصارت منسوخة بآية السيف ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنهما .

قوله تعالى : { قد تبين الرشد من الغي } . أي الإيمان من الكفر والحق من الباطل .

قوله تعالى : { فمن يكفر بالطاغوت } . يعني الشيطان ، وقيل : كل ما عبد من دون الله تعالى فهو طاغوت ، وقيل : كل ما يطغي الإنسان ، فاعول من الطغيان ، زيدت التاء فيه بدلاً من لام الفعل ، كقولهم : حانوت وتابوت ، فالتاء فيها مبدلة من هاء التأنيث .

قوله تعالى : { ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } . أي تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين ، والوثقى تأنيث الأوثق وقيل : العروة الوثقى السبب الذي يوصل إلى رضا الله تعالى .

قوله تعالى : { لا انفصام لها } . لا انقطاع لها .

قوله تعالى : { والله سميع } . لدعائك إياهم إلى الإسلام .

قوله تعالى : { عليم } . بحرصك على إيمانهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

{ لا إكراه في الدين } إذ الإكراه في الحقيقة إلزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا يحمله عليه ، ولكن { قد تبين الرشد من الغي } تميز الإيمان من الكفر بالآيات الواضحة ، ودلت الدلائل على أن الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية والكفر غي يؤدي إلى الشقاوة السرمدية ، والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى الإيمان طلبا للفوز بالسعادة والنجاة ، ولم يحتج إلى الإكراه والإلجاء . وقبل إخبار في معنى النهي ، أي لا تكرهوا في الدين ، وهو إما عام منسوخ بقوله ؛ { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } ، أو خاص بأهل الكتاب لما روي ( أن أنصاريا كان له ابنان تنصرا قبل المبعث ، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الأنصاري يا رسول الله أيدخل بعقبي النار وأنا أنظر إليه فنزلت فخلاهما ) . { فمن يكفر بالطاغوت } بالشيطان ، أو الأصنام ، أو كل ما عبد من دون الله ، أو صد عن عبادة الله تعالى . فعلوت من الطغيان قلبت عينه ولامه . { ويؤمن بالله } بالتوحيد وتصديق الرسل . { فقد استمسك بالعروة الوثقى } طلب الإمساك عن نفسه بالعروة الوثقى من الحبل الوثيق ، وهي مستعارة لمتمسك الحق من النظر الصحيح والرأي القويم . { لا انفصام لها } لا انقطاع لها يقال فصمته فانفصم إذا كسرته . { والله سميع } بالأقوال { عليم } بالنيات ، ولعله تهديد على النفاق .