النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

قوله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن ذلك في أهل الكتاب ، لا يُكْرَهُون{[410]} على الدين إذا بذلوا الجزية ، قاله قتادة .

والثاني : أنها نزلت في الأنصار خاصة ، كانت المرأة منهم تكون مِقْلاَةً لا يعيش لها ولد ، فتجعل على نفسها ، إن عاش لها ولد أن تهوّده ، ترجو به طول العمر ، وهذا قبل الإسلام ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالت الأنصار : كيف نصنع بأبنائنا ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثالث : أنها منسوخة بفرض القتال ، قاله ابن زيد .

{ فَمَن يَكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ } فيه سبعة أقوال :

أحدها : أنه الشيطان وهو قول عمر بن الخطاب .

والثاني : أنه الساحر ، وهو قول أبي العالية .

والثالث : الكاهن ، وهو قول سعيد بن جبير .

والرابع : الأصنام .

والخامس : مَرَدَة الإنس والجن .

والسادس : أنه كل ذي طغيان طغى على الله ، فيعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده ، أو بطاعة له ، سواء كان المعبود إنساناً أو صنماً ، وهذا قول أبي جعفر الطبري .

والسابع{[411]} : أنها النفس لطغيانها فيما تأمر به من السوء ، كما قال تعالى :

{ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }{[412]} .

واختلفوا في { الطَّاغُوتِ } على وجهين :

أحدهما : أنه اسم أعجمي معرّب ، يقع على الواحد والجماعة .

والثاني : أنه اسم عربي مشتق من الطاغية ، قاله ابن بحر{[413]} .

{ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } فيها أربعة أوجه :

أحدها : هي الإيمان الله{[414]} ، وهو قول مجاهد .

والثاني : سنة الرسول .

والثالث : التوفيق .

والرابع : القرآن ، قاله السدي .

{ لاَ انفِصَامَ لَهَا } فيه قولان :

أحدهما : لا انقطاع لها ، قاله السدي .

والثاني : لا انكسار{[415]} لها ، وأصل الفصم : الصدع .


[410]:- في هذه الآية دليل ساطع على أن الإسلام لا يجبر أحدا على الدخول فيه وإن أمور العقيدة لا يمكن فرضها بالقوة. وهذا ينفي المزاعم التي تقول إن الإسلام انتشر بحد السيف.
[411]:- هذا القول لم يرد في ق.
[412]:- الآية 53 من سورة يوسف.
[413]:- لم يرد في ق.
[414]:- اقتصرت ق على هذا القول.
[415]:- انكسار: في ق إنكار. وما أثبتناه هو الصواب لأنه يتفق مع المعنى اللغوي للكلمة. قال كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم ذو الرمة يصف غزالا يشبهه بدملج فضة: أي مكسور. والنبه: ما يسقط من الإنسان فينساه ولا يهتدي إليه.