تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

{ لا إكراه في الدين } لأحدٍ بعد إسلام العرب إذا أقروا بالجزية ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب ، فلما أسلمت العرب طوعا وكرها قبل الخراج ، من غير أهل الكتاب ، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى ، وأهل هجر ، يدعوهم إلى الإسلام ، فكتب : "من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : إن من شهد شهادتنا ، وأكل من ذبيحتنا ، واستقبل قبلتنا ، ودان بديننا ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله عز وجل ، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أسلمتم فلكم ما أسلمتم عليه ، ولكم عشر التمر ، ولكم نصف عشر الْحَبّ ، فمن أبى الإسلام ، فعليه الجزية" .

فكتب المنذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إني قرأت كتابك إلى أهل هجر ، فمنهم من أسلم ، ومنهم من أبى ، فأما اليهود والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم بالجزية . فقال منافقوا أهل المدينة : زعم محمد أنه لم يؤمر أن يأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فما باله قبل من مجوس أهل هجر ، وقد أبى ذلك على آبائنا وإخواننا حتى قاتلهم عليه ، فشق على المسلمين قولهم ، فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } آخر الآية ( المائدة : 5-6 ) وأنزل الله عز وجل : { لا إكراه في الدين } بعد إسلام العرب .

{ قد تبين الرشد من الغي } ، يقول : قد تبين الضلالة من الهدى ، { فمن يكفر بالطاغوت } ، يعني الشيطان ، { ويؤمن بالله } ، بأنه واحد لا شريك له ، { فقد استمسك بالعروة الوثقى } ، يقول : أخذ الثقة ، يعني الإسلام ، التي { لا انفصام لها } ، يقول : لا انقطاع له دون الجنة ، { والله سميع } لقولهم { عليم } به .