الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

قوله : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ) [ 255 ] .

أكثر الناس على أن هذه الآية مخصوصة نزلت في أهل الكتاب ألا يكرهوا على الدين( {[8352]} ) ، إذا أدوا الجزية . فأما أهل الأوثان فلا تؤخذ منهم الجزية ويكرهون على الدين( {[8353]} ) . قاله ابن عباس ؛ قال : " كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تُهَوِّدَهُ ، فلما أجليت بنو النضير ، كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالت( {[8354]} ) الأنصار : لا ندع أبناءنا ، فأنزل الله : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) الآية ، فمن شاء لحق ، ومن شاء لم يلحق( {[8355]} ) " .

وقد قيل : إن الآية منسوخة منسخها : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيءُ( {[8356]} ) جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ )( {[8357]} )( {[8358]} ) .

وأكثر الناس على أن( {[8359]} ) هذه الآية نزلت في غير عبدة الأوثان ، ومن [ لا كتاب له ]( {[8360]} ) ، ومن لا يؤدي الجزية من أهل الكتاب .

والألف واللام في " الدِّين " عوض من ضمير يعود على الله . والمعنى " وهو العلي العظيم لا إكراه في دينه " ( {[8361]} ) .

وقيل : هما للتعريف( {[8362]} ) . والدين : الإسلام( {[8363]} ) .

قوله : ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ) [ 255 ] .

قرأ أبو عبد الرحمن " الرَّشَدَ " بفتحتين ، وهما لغتان( {[8364]} ) ، كالبُخْل( {[8365]} ) والبَخَل ، والشُّغْل والشَّغَل ، والسُّقْم والسَّقَم ، والعُدْم والعَدَم/ والعُرْب والعَرَب ، والعُجْم والعَجَم ، والسُّخْط والسَّخَط ، والحُزْن والحَزَن ، والوُلْد والوَلَد( {[8366]} ) .

والرشد إصابة الحق ، والغي ضده . وهو مصدر غَوِيَ يَغْوِي غَيّاً( {[8367]} ) ، وأصله " غَوْياً " ( {[8368]} ) . وبعضهم يقول : غَوَى ، يَغْوَى بالفتح فيهما( {[8369]} ) .

وقال بعضهم : غَوَى يَغْوِي/إذا عدا الحق فضل ، فمعناه : استبان الإيمان من الكفر .

قوله : ( فَمَنْ يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ) [ 255 ] أي بالشيطان ، والجبت( {[8370]} ) : السحر .

وقيل : الكاهن( {[8371]} ) .

وقال مجاهد في قوله ( يُرِيدُونَ( {[8372]} ) أَنْ يَّتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ )( {[8373]} ) ، هو كعب بن( {[8374]} ) الأشرف ، وهو مشتق من " طغى " مقلوب وأصله طَغَوُوتٌ مثل جَبَرُوتٌ( {[8375]} ) .

وقيل أصله طَيغُوتٌ لأنه يقال : طَغَوْتُ وَطَغَيْتُ( {[8376]} ) .

وقيل : هو في معنى الطغيان( {[8377]} ) وليس بمشتق منه ، إنما يؤدي عن معناه ، كما قيل : رجل لآلٌ من اللؤلؤ ، يؤدي عن معناه ، وليس بمشتق منه( {[8378]} ) .

قوله : ( بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى ) [ 255 ] .

أي تمسك بأوثق ما يستوثق به ويتمسك به .

وقيل : الجبت والطاغوت كل ما يعبد من دون الله( {[8379]} ) .

قال سيبويه : " الطاغوت واحد مؤنث يقع على الجميع " ( {[8380]} ) .

وقال المبرد : " هو جماعة( {[8381]} ) " ، يريد به الشياطين( {[8382]} ) .

وقال أنس : " العروة الوثقى : القرآن " . ذكره عنه ابن أبي شيبة( {[8383]} ) .

/وقيل : العروة الوثقى : العهد الوثيق .

وقال ابن عباس : " العروة الوثقى : لا إله إلا الله( {[8384]} ) .

قوله : ( لاَ انفِصَامَ لَهَا ) [ 255 ] . أي لا انكسار لها .

وقال/ السدي : " لا انقطاع لها " ( {[8385]} ) .

( وَاللَّهُ سَمِيعٌ ) [ 255 ] . أي يسمع إيمان المؤمن وكفر الكافر .

( عَلِيمٌ ) [ 255 ] . أي عليم بمن وافق قلبه( {[8386]} ) في الإيمان لسانه وأخلص في قوله( {[8387]} ) .


[8352]:- في ع2: الذين. وهو تصحيف.
[8353]:- انظر هذا التوجيه في: الإيضاح لناسخ القرآن: 162، ونواسخ القرآن 92.
[8354]:- في ق: وقالت.
[8355]:- انظر: أسباب النزول: 72-73، ولباب النقول: 48.
[8356]:- في ع3: الذين.
[8357]:- التوبة آية 74.
[8358]:- انظر: تفسير ابن مسعود: 2/138، والإيضاح لناسخ القرآن: 161، ونواسخ القرآن: 93.
[8359]:- سقط من ع2.
[8360]:- في ع: الكتاب.
[8361]:- في ع3: الدين.
[8362]:- في ق: تعريف.
[8363]:- انظر: جامع البيان 5/415.
[8364]:- انظر: الإملاء: 1/107، ومعاني الأخفش: 1/181، والمحرر الوجيز 2/282-283.
[8365]:- في ق: كالبخيل. وهو تحريف.
[8366]:- انظر: مفردات الراغب: 201، واللسان 1/1169.
[8367]:- في ع3: غويا.
[8368]:- انظر: الإملاء: 1/107، واللسان: 2/1032.
[8369]:- انظر: اللسان: 2/1032.
[8370]:- في ع3: الجنة. وهو تصحيف.
[8371]:- والقول لسعيد بن جبير في جامع البيان: 5/418، والمحرر الوجيز: 2/283، ولعكرمة في الدر المنثور: 2/22.
[8372]:- في ع3: يريد. وهو خطأ.
[8373]:- النساء آية 59.
[8374]:- في ق، ع3: ابن.
[8375]:- انظر: المشكل: 1/137، والبيان: 1/169.
[8376]:- انظر: مفردات الراغب: 314، والإملاء: 1/107، واللسان: 2/597، والمصدرين السابقين.
[8377]:- سقط حرف الواو من ع2، ع3.
[8378]:- انظر: تفسير القرطبي: 3/281. وقوله: "إنما يؤدي... وليس بمشتق" ساقط من ع3.
[8379]:- والقول للزجاج في اللسان: 2/597.
[8380]:- انظر: الكتاب: 3/240.
[8381]:- انظر: تفسير القرطبي: 3/281.
[8382]:- في ع2، ق، ع3: الشيطان.
[8383]:- اسمه عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، أبو بكر، الكوفي، محدث حافظ، فقيه ومفسر. حدث عن ابن المبارك، وروى عنه البخاري (ت235 هـ). انظر تذكرة الحفاظ: 432-433، وشذرات الذهب 2/85.
[8384]:- انظر: تفسير القرطبي: 3/282، والدر المنثور: 2/22، والقول لابن جبير كما في جامع البيان: 5/421، والمحرر الوجيز: 2/284، وتفسير ابن كثير: 1/311.
[8385]:- انظر: غريب القرآن: 33، وجامع البيان: 5/423.
[8386]:- في ق: عليه.
[8387]:- في ع2: قلبه.