فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا ، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عاما . . وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية وقال آخرون بل هي منسوخة بآية القتال ، وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف ( دين الإسلام ) فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل . . . قال الله تعالى { . . ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون . . }{[802]} . . وفي الصحيح : ( عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل } يعني الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثاق والأغلال والقيود والأكبال ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة-{[803]} . وعن الحسن وقتادة وغيرهما أن هذا في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الأوثان والرشد والهدي والحق ، والمراد به الإسلام . والغي : الضلال في المعتقد والرأي . { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } الطاغوت أي الشيطان ، روى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن عكرمة أنه الكاهن [ والأولى أن يقال بعمومه سائر ما يطغى . . ]{[804]} فمن استيقن بالله جل علاه وصدق بأحديته وجلاله وكفر بسائر ما يضل ويطغى فقد استمسك بالحبل المتين حبل الله ورشد وأفلح وفاز- والله سميع إيمان المؤمن بالله وحده الكافر بالطاغوت عند إقراره بوحدانية الله وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله { عليم } بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبيته قلبه ، وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت ضميره ، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه لا يكتم عنه سر ولا يخفى عليه أمر حتى يجازي كلا يوم القيامة بما نطق به لسانه ، وأضمرته نفسه إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا-{[805]} .


[802]:من سورة الفتح من الآية 16.
[803]:من تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
[804]:من روح المعاني.
[805]:من جامع البيان.