السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256)

{ لا إكراه في الدين } أي : على الدخول فيه أي : فمن أعطي الجزية لم يكره على الإسلام فهو عام مخصوص بأهل الكتاب .

لما روي أنّ أنصارياً كان له ابنان تنصرا قبل المبعث ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ فنزلت وقيل : عام منسوخ ، فكان هذا في الابتداء قبل أن يؤمر بالقتال فصارت الآية منسوخة بآية السيف ، قاله ابن مسعود : { قد تبين الرشد من الغيّ } أي : ظهر بالآيات البينات أنّ الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية ، وأنّ الكفر غيّ يؤدّي إلى الشقاوة السرمدية ، والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى الإيمان ، طلباً للفوز بالسعادة والنجاة ، فلم يحتج إلى الإكراه والإلجاء { فمن يكفر بالطاغوت } أي : فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام { ويؤمن بالله } أي : بالتوحيد وتصديق الرسل { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي : تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين { لا انفصام } أي : لا انقطاع { لها } .

قال التفتازاني : شبه التديّن بالدين الحق ، والثبات على الهدى والإيمان بالتمسك بالعروة الوثقى المأخوذة من الحبل المحكم المأمون تقطعها ، ثم ذكر المشبه به وأراد المشبه وقال الزمخشريّ : وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس ، حتى يتصوّره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به اه .

والوثقى تأنيث الأوثق ، وقيل : العروة الوثقى السبب الذي يتوصل به إلى رضا الله تعالى { والله سميع } لما يقال : { عليم } بالنيات والأفعال وقيل : سميع لدعائك إياهم إلى الإسلام عليم بحرصك على إيمانهم .