المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

62- إن الذين آمنوا من الأنبياء من قبل ، واليهود والنصارى ، ومن يقدسون الكواكب والملائكة ، من آمن برسالة محمد بعد بعثته ، ووحَّد الله تعالى وآمن بالبعث والحساب يوم القيامة ، وعمل الأعمال الصالحة في دنياه ، فهؤلاء لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم ، ولا يلحقهم خوف من عقاب . ولا ينالهم حزن على فوات ثواب ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } . يعني اليهود سموا به لقولهم : ( إنا هدنا إليك ) أي ملنا إليك ، وقيل : لأنهم هادوا أي تابوا عن عبادة العجل ، وقيل : لأنهم مالوا عن دين الإسلام ، وعن دين موسى عليه السلام ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ويقولون : إن السماوات والأرض تحركت حين آتى الله موسى التوراة .

قوله تعالى : { والنصارى } . سموا به لقول الحواريين : ( نحن أنصار الله ) ، وقال مقاتل : لأنهم نزلوا قرية يقال لها ناصرة ، لاعتزائهم إلى نصرة . وهي قرية كان ينزلها بعيسى عليه السلام .

قوله تعالى : { والصابئين } . قرأ أهل المدينة : والصابين والصابون بترك الهمزة والباقون بالهمزة ، وأصله : الخروج ، يقال : صبأ فلان أي خرج من دين إلى دين آخر ، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها ، وصبأ ناب البعير إذا خرج ، فهؤلاء سموا به لخروجهم من دين إلى دين .

قال عمر بن الخطاب وابن عباس : هم قوم من أهل الكتاب ، قال عمر : تحل ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب ، وقال ابن عباس : لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم ، وقال مجاهد : هم قبيلة نحو الشام بين اليهود والمجوس ، وقال الكلبي : هم قوم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبون مذاكيرهم ، وقال قتادة : هم قوم يقرون بالله ويقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة ، ويصلون إلى الكعبة ، أخذوا من كل دين شيئاً ، قال عبد العزيز بن يحيى : انقرضوا .

قوله تعالى : { من آمن بالله واليوم الآخر } . فإن قيل : كيف يستقيم قوله ( من آمن بالله ) وقد ذكر في ابتداء الآية ( إن الذين آمنوا ) ، قيل : اختلفوا في حكم الآية فقال بعضهم : أراد بقوله ( إن الذين آمنوا ) على التحقيق ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين فقال قوم : هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار ، وقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، والبراء الشني ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وبحيرا الراهب ، ووفد النجاشي ، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه ، ومنهم من لم يدركه . وقيل : هم المؤمنون من الأمم الماضية ، وقيل : هم المؤمنين من هذه الأمة ( والذين هادوا ) الذين كانوا على دين موسى عليه السلام ، ولم يبدلوا ، ( والنصارى ) ، الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يغيروا وماتوا على ذلك . قالوا : وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام حيث كانوا على الحق ، كالإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والصابئون زمن استقامة أمرهم ( من آمن ) أي من مات منهم وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان بالموافاة ، ويجوز أن يكون الواو مضمراً . أي : ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة ، وقال بعضهم : إن المذكورين بالإيمان في أول الآية على طريق المجاز دون الحقيقة ، ثم اختلفوا فيهم فقال بعضهم : الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك وقيل : أراد بهم المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم ، واليهود والنصارى الذين اعتقدوا اليهودية والنصرانية بعد التنزيل والصابئون بعض أصناف الكفار من آمن بالله واليوم الآخر من هذه الأصناف بالقلب واللسان .

قوله تعالى : { وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم } . وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن من يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث .

قوله تعالى : ولا خوف عليهم } . في الدنيا .

قوله تعالى : { ولا هم يحزنون } . في الآخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

{ إن الذين آمنوا } بألسنتهم ، يريد به المتدينين بدين محمد صلى الله عليه وسلم المخلصين منهم والمنافقين ، وقيل المنافقين لانخراطهم في سلك الكفرة .

{ والذين هادوا } تهودوا ، يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية ، ويهود : إما عربي من هاد إذا تاب ، سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل ، وإما معرب يهوذا وكأنهم سموا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه السلام .

{ والنصارى } جمع نصران كندامى وندمان ، والياء في نصراني للمبالغة كما في أحمري ، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح عليه السلام ، أو لأنهم كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها ، أو من اسمها .

{ والصابئين } قوم بين النصارى والمجوس . وقيل أصل دينهم دين نوح عليه السلام . وقيل هم عبدة الملائكة . وقيل عبدة الكواكب ، وهو إن كان عربيا فمن صبأ إذا خرج . وقرأ نافع وحده بالياء إما لأنه خفف الهمزة وأبدلها ياء ، أو لأنه من صبأ إذا مال لأنهم مالوا عن سائر الأديان إلى دينهم ، أو من الحق إلى الباطل .

{ من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا } من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ ، مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملا بمقتضى شرعه . وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ، ودخل في الإسلام دخولا صادقا : { فلهم أجرهم عند ربهم } الذي وعد لهم على إيمانهم وعملهم .

{ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } حين يخاف الكفار من العقاب ، ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب . و{ من } مبتدأ خبره { فلهم أجرهم } والجملة خبر إن ، أو بدل من اسم إن وخبرها { فلهم أجرهم } والفاء لتضمن المسند إليه معنى الشرط ، وقد منع سيبويه دخولها في خبر إن من حيث إنها لا تدخل الشرطية ، ورد بقوله تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم } .