السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

{ إنّ الذين آمنوا } بالأنبياء من قبل { والذين هادوا } أي : اليهود سموا به لقولهم : إنا هدنا إليك أي : ملنا إليك ، وقيل : لأنهم هادوا أي : تابوا من عبادة العجل وكأنهم سموا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لأنهم يتهوّدون أي : يتحرّكون عند قراءة التوراة ويقولون : إنّ السموات والأرض تحرّكت حين آتى الله موسى التوراة { والنصارى } جمع نصراني كندامى ، والياء في نصراني للمبالغة سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح ، { قال الحواريون نحن أنصار الله } ( آل عمران ، 52 ) ( الصف ، 14 ) .

فإن قيل : هذا ليس جارياً على قواعد الاشتقاق فإنه يقال للواحد : ناصر وفاعل لا يجمع على فعالى . أجيب : بأنّ ذلك كاف في الاشتقاق وإن لم يجمع المفرد على فعالى أو لأنهم كانوا معه في قرية يقال لها نصران أو ناصرة ، فسموا باسمها على الأول أو من اسمها على الثاني { والصابئين } هم طائفة من النصارى ، وقيل : من اليهود ، وقيل : قوم بين النصارى والمجوس ، وقيل : أصل دينهم دين نوح عليه الصلاة والسلام ، وقيل : هم عبدة الملائكة أو الكواكب ، وقرأ نافع وحده بالياء إمّا لأنه خفف الهمزة ، أو لأنه من صبا إذا مال لأنهم مالوا عن سائر الأديان إلى دينهم ، أو من الحق إلى الباطل ، والباقون بالهمزة بعد الباء الموحدة { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً } أي : من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدّقاً بقلبه وبالمبدأ والمعاد عاملاً بمقتضى شرعه ، وقيل : من آمن من هؤلاء الكفرة إيماناً خالصاً ودخل الإسلام دخولاً صادقاً { فلهم أجرهم } أي : ثواب أعمالهم { عند ربهم } بأن يدخلهم الجنة { ولا خوف عليهم } في الدنيا { ولا هم يحزنون } في الآخرة أو حين يخاف الكفار من العقاب ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب .

تنبيه : روعي في ضمير آمن وعمل لفظ من وفيما بعده معناها ومن مبتدأ خبره فلهم أجرهم والجملة خبر إن ، أو بدل من اسم إن وخبرها فلهم أجرهم والفاء لتضمن المسند إليه معنى الشرط وقد منع سيبويه دخولها في خبر إن من حيث أنها لا تدخل الشرطية ورد بقوله تعالى : { إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم } ( البروج ، 10 ) .