أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده وابن أبي حاتم عن سلمان قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت { وإن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية .
وأخرج الواحدي عن مجاهد قال : لما قص سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه قال : هم في النار . قال سلمان : فأظلمت عليّ الأرض ، فنزلت { وإن الذين آمنوا والذين هادوا } إلى قوله { يحزنون } قال : فكأنما كشف عني جبل .
وأخرج ابن جرير واللفظ له وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية . قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي ، وكان سلمان رجلا من جند نيسابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه ، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا ، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة ، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا ؟ فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما ، فنزلا إليه فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله ، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته ، فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل ، فقص عليهما ما فيه وهو الإنجيل الذي أنزل الله على عيسى ، فوقع في قلوبهما وتابا فأسلما ، وقال لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .
فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك ، فجمع طعاما ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك رسولا فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس ، فأبى الفتى وقال : إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك ، فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم ، فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال : ما أمرك هذا ؟ قال : إنا لا نأكل من ذبائحكم ، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم . فقال له الملك : من أمرك بهذا ؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك ، فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني ؟ قال : صدق ابنك . قال له : لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن اخرج من أرضنا ، فأجله أجلا فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه .
فقال لهما : إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل ، ستين رجلا نعبد الله فأتونا فيها ، فخرج الراهب وبقي سلمان وابن الملك ، فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا . وابن الملك يقول : نعم .
وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز ، فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة ، فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان ، فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه ، فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع ؟ قال : بل الذي تصنع . قال : فخل عني .
ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها ، ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا ، فإن شئت أن تقيم هنا فأقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق . فقال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلا ؟ قال : هذه . قال سلمان : فأنا أكون في هذه فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم .
ثم إن الشيخ أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال : إني أريد أن آتي بيت المقدس ، فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق ، وإن شئت أن تقيم فأقم . قال له سلمان : أيهما أفضل ، أنطلق معك أو أقيم ؟ قال : لا بل تنطلق . فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى ، فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله ، فلم يكلمه ولم ينظر إليه ، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس ، وقال الشيخ لسلمان : أخرج فاطلب العلم ، فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض . فخرج سلمان يسمع منهم ، فرجع يوما حزينا فقال له الشيخ مالك يا سلمان قال : إن الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع . فقال له الشيخ : لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني أدركه ، وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه ، وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه .
قال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء . قال : نعم ، وهو مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فعطف إليه حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له ، وقال : قم بإذن الله . فقام صحيحا يشتد .
فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه ، وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان .
ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب ، فلقيه رجلان من العرب من كلب ، فسألهما هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته قال : نعم [ ] راعي الصرمة هذا ، فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط ، فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم ، هذا يوما وهذا يوما ، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم . فبينما هو يوما يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له : أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي ؟ ! فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك .
فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد ، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمة ، فلما رآه أتاه وكلمه ، ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزا ، ثم أتاه به فقال : ما هذه ؟ قال سلمان : هذه صدقة . قال : لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون . ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ قال : هذه هدية . قال : فاقعد فكل . فقعد فأكلا منها جميعا . فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم ، فقال : كانوا ويصومون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبيا ، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم " يا سلمان هم من أهل النار " فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك . فأنزل الله هذه الآية { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر } .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال " سأل سلمان الفارسي النبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى ، وما رأى من أعمالهم ، قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض وذكرت اجتهادهم ، فنزلت هذه الآية { إن الذين آمنوا والذين هادوا } فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك ، ثم قال : من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير ، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك " .
وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية . قال : فأنزل الله بعد هذا ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجى عن علي قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : إنا هدنا إليك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ، بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك ، ولم تسمت النصارى بالنصرانية ، من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية والنصارى بالنصرانية ، إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك ، فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا باليهود ، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله ؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم ، فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به .
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال : إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ، هم قوم من المشركين لا كتاب لهم .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن الصابئين ؟ فقال : هم قوم بين اليهود والنصارى والمجوس ، لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الصابئون منزله بين النصرانية والمجوسية . لفظ ابن أبي حاتم : منزلة بين اليهود والنصارى .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا : ما أمركم ؟ قالوا : نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا ، وهذه التوراة فمن تابعنا دخل الجنة ، ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت اليهود في موسى ، وقالوا هذا الإنجيل فمن تابعنا دخل الجنة ، فقالت الصابئون هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة ، واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة ، فنحن به لا ندين ، فسماهم الله الصابئين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور .
وأخرج وكيع عن السدي قال الصابئون طائفة من أهل الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى غير القبلة ، ويقرؤون الزبور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : الصابئ : الذي يعرف الله وحده ، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال : الصابئون قال : الصابئون قوم مما يلي العراق ، وهم بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : يقولون الصابئون : وما الصابئون [ ] الصابئون ويقولون : الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون .