الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (62)

وقوله تعالى : { إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين . . . } [ البقرة :62 ] .

اختلف في المراد ب { الذين ءَامَنُواْ } في هذه الآية ،

فقالت فرقة : { الذين آمنوا } هم المؤمنون حقًّا بنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { مَنْ ءَامَنَ بالله } يكون فيهم بمعنى مَنْ ثَبَتَ ودَامَ ، وفي سائر الفرق : بمعنى : مَنْ دخَلَ فيه ، وقال السُّدِّيُّ : هم أهل الحنيفيَّة ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، { والذين هَادُوا } ، ومن عطف عليهم كذلك ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم { والذين هَادُواْ } هم اليهودُ ، وسُمُّوا بذلك ، لقولهم :

{ هُدْنَا إِلَيْكَ } [ الأعراف : 156 ] ، أي : تبنا ، { والنصارى } لفظةٌ مشتقَّة من النَّصْرِ .

قال : ( ص ) ، { والصابئين } : قرأ الأكثر بالهمز من صَبَأَ النَّجْمُ ، والسِّنُّ ، إِذا خرج ، أي : خَرَجُوا من دينٍ مشهورٍ إِلى غيره ، وقرأ نافع بغير همز ، فيحتمل أن يكون من المهموز المُسَهَّل ، فيكون بمعنى الأول ، ويحتمل أن يكون مِنْ صَبَا غيْرَ مهموزٍ ، أي : مَالَ ومنه : [ الهزج ]

إلى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي *** وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي

انتهى .

قال : ( ع ) والصَّابِيُ ، في اللغة : من خرج من دين إلى دين .

وأما المشار إليهم في قوله تعالى : { والصابئين } فقال السديُّ : هم فرقة من أهل الكتاب ، وقال مجاهد : هم قوم لا دِينَ لهم ، وقال ابنُ جرَيج : هم قوم تركب دينهم بين اليهوديَّة والمجوسيَّة ، وقال ابنُ زَيْد : هم قومٌ يقولون لا إله إلا اللَّه ، وليس لهم عمل ولا كتابٌ ، كانوا بجزيرةِ المَوْصِلِ ، وقال الحسنُ بْنُ أبي الحسن ، وقتادة : هم قوم يعبدون الملائكةَ ، ويصلُّون الخمْسَ إلى القبلة ، ويقرءون الزَّبُور ، رَآهُمْ زيادُ بن أبي سفيان ، فأراد وضع الجزْيَة عنْهم حتَّى عُرِّفَ أنهم يعبدون الملائكَةَ .