قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } يعني : صدقوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .
{ وَالَّذِينَ هَادُوا } هم اليهود ، وفي تسميتهم بذلك ، ثلاثة أقاويل :
أحدها : نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب ، فقلبت العربُ الذال دالاً ، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت ، غيرت من لفظها .
والثاني : أنه مأخوذ من قولهم : هَادَ القومُ يَهُودُون هَوْدَةً وهِيَادةً ، إذا تابوا ، قال زهير :
سِوَى مَرْبَعٍ لَمْ يأْتِ فِيهِ مَخَافَةً *** وَلاَ رَهَقاً مِنْ عَابِدٍ مُتَهَوِّدِ
يعني من عابد تائب ، فسموا يهوداً لتوبتهم من عبادة العجل .
والثالث : أنهم سُمُّوا يهوداً ، من أجل قولهم : إِنَّا هُدْنا إليك ، وهذا قول ابن جُرَيج .
و { والنصارى } ، جمع وواحده " نصرانيٌّ " ، وقيل : " نصران " بإسقاط الياء ، وهذا قول سيبويه ، وقال الخليل بن أحمد : واحده نصْرِي{[133]} ، والأول هو المستعمل .
وفي تسميتهم بذلك ، ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم سُمُّوا بذلك ، لقريةٍ تُسَمَّى " ناصرة " ، كان ينزلها عيسى عليه السلام ، فَنُسِبَ إليها ، فقيل : عيسى الناصري ، ثم نسب أصحابه إليه فقيل : النصارى ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة .
والثاني : أنهم سُمُّوا بذلك ، لنصرة بعضهم لبعضٍ ، قال الشاعر :
لمَّا رأيتُ نَبَطاً أَنْصَارَا *** شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإْزَارَا
كُنْتُ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى جَارَا
والثالث : أنهم سُمُّوا بذلك ، لقوله : { مَنْ أَنْصَارِي إلى اللهِ } .
{ والصابئين } ، جمع ، واحده : صبائي ، واخْتُلِفَ في همزِهِ ، فهمزه الجمهور إلا نافعاً{[134]} .
واخْتُلِف في المأخوذ منه هذا الاسم ، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مأخوذ من الطُّلُوعِ والظُّهُورٍ ، من قولهم : صبأ نابُ البعير ، إذا طلع ، وهذا قول الخليل .
والثاني : أن الصابِئ : الخارج من شيء إلى شيءٍ ، فسُمِّي الصابئون بهذا الاسم ، لخروجهم من اليهودية والنصرانية ، وهذا قول ابن زيدٍ .
والثالث : أنه مأخوذ من قولهم : صبا يصبو ، إذا مال إلى الشيء وأحبه ، وهذا قول نافع ؛ ولذلك لم يهمز .
وَاخْتُلِفِ فيهم : فقال مجاهد ، والحسن ، وابن أبي نجيحٍ : الصابئون بين اليهود والمجوس ، وقال قتادة : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى القِبْلة ، [ ويقرأون الزبور{[135]} ويصلون الخمس ] وقال السدي : هم طائفة من أهل الكتاب ، وقال الخليل : هم قوم شبيه دينهم بدين النصارى ، إلا أن قبلتهم نَحْوَ مهب الجنوب حيال منتصف النهار ، يزعمون أنهم على دين نوح .
وفي قوله تعالى : { مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ{[136]} صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قولان :
أحدهما : أنها نزلت في سلمان الفارسيِّ وأصحابه النصارى الذين كان قد تنصَّر على أيديهم ، قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث ، وأنهم مؤمنون به إن أدركوه ، وهذا قول السدي .
والثاني : أنها منسوخة بقوله تعالى :
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ }{[137]} ، وهو قول ابن عباس .
فإن قيل : فَلِمَ قال : { وَعَمِلَ صَالِحاً } على التوحيد ، ثم قال : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } على الجمع ؟ قيل : لأن اللفظ " مَنْ " لفظ الواحد ، ومعناه الجمع ، فمرةً يجمع على اللفظ ، ومرةً يجمع على المعنى ، قال الشاعر :
أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا *** وَقُولاَ : لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.