الأولى : قوله تعالى : " إن الذين آمنوا " أي صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال سفيان : المراد المنافقون . كأنه قال : الذين أمنوا في ظاهر أمرهم ، فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين ، ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم
الثانية : قوله تعالى : " والذين هادوا " معناه صاروا يهودا ، نسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه السلام ، فقلبت العرب الذال دالا ؛ لأن الأعجمية إذا عربت غيرت عن لفظها . وقيل : سموا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل . هاد : تاب . والهائد : التائب ، قال الشاعر :
أي تائب . وفي التنزيل : " إنا هدنا إليك " [ الأعراف : 156 ] أي تبنا . وهاد القوم يهودون هودا وهيادة إذا تابوا . وقال ابن عرفة : " هدنا إليك " أي : سكنا إلى أمرك . والهوادة : السكون والموادعة . قال : ومنه قوله تعالى : " إن الذين أمنوا والذين هادوا " . وقرأ أبو السمال : " هادوا " بفتح الدال .
الثالثة : قوله تعالى : " والنصارى " جمع واحده نصراني . وقيل : نصران بإسقاط الياء ، وهذا قول سيبويه . والأنثى نصرانة ، كندمان وندمانة . وهو نكرة يعرف بالألف واللام ، قال الشاعر{[828]} :
صدَّت كما صدَّ عما لا يحل له *** ساقي نصارى قُبَيلَ الفِصْحِ{[829]} صُوَّامُ
فوصفه بالنكرة . وقال الخليل : واحد النصارى نصري ، كمهري ومهارى . وأنشد سيبويه شاهدا على قوله :
تراه إذا دار العشا مُتَحَنِّفاً *** ويضحي لديه وهو نصران شامس
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها *** كما أسجدت نصرانةٌ لم تَحَنَّفِ{[830]}
يقال : أسجد إذا مال . ولكن لا يستعمل نصران ونصرانة إلا بياءي النسب ، لأنهم قالوا : رجل نصراني وامرأة نصرانية . ونصره : جعله نصرانيا . وفي الحديث : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) . وقال عليه السلام : ( لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) . وقد جاءت جموع على غير ما يستعمل واحدها ، وقياسه النصرانيون . ثم قيل : سموا بذلك لقرية تسمى " ناصرة " كان ينزلها عيسى عليه السلام فنسب إليها فقيل : عيسى الناصري ، فلما نسب أصحابه إليه قيل النصارى ، قاله ابن عباس وقتادة . وقال الجوهري : ونصران قرية بالشام ينسب إليها النصارى ، ويقال ناصرة . وقيل : سموا بذلك لنصرة بعضهم بعضا ، قال الشاعر :
لما رأيت نبطاً أنصارا *** شمرت عن ركبتي الإزارا
وقيل : سموا بذلك لقول : " من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله " [ آل عمران : 52 ] .
الرابعة : قوله تعالى : " والصابئين " جمع صابئ ، وقيل : صاب ، ولذلك اختلفوا في همزه ، وهمزه الجمهور إلا نافعا . فمن همزه جعله من صبأت النجوم إذا طلعت ، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت . ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو إذا مال . فالصابئ في اللغة : من خرج ومال من دين إلى دين ، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ . فالصابئون قد خرجوا من دين أهل الكتاب .
الخامسة : لا خلاف في أن اليهود والنصارى أهل كتاب ولأجل كتابهم جاز نكاح نسائهم وأكل طعامهم على ما يأتي بيانه في المائدة{[831]} وضرب الجزية عليهم ، على ما يأتي في سورة " براءة{[832]} " إن شاء الله .
واختلف في الصابئين ، فقال السدي : هم فرقة من أهل الكتاب ، وقاله إسحاق بن راهويه . قال ابن المنذر وقال إسحاق : لا بأس بذبائح الصابئين لأنهم طائفة من أهل الكتاب . وقال أبو حنيفة : لا بئس بذبائحهم ومناكحة نسائهم . وقال الخليل : هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب ، يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام . وقال مجاهد والحسن وابن أبي نجيح : هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية ، لا تؤكل ذبائحهم . ابن عباس : ولا تنكح نساؤهم . وقال الحسن أيضا وقتادة : هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور ويصلون الخمس ، رآهم زياد ابن أبي سفيان ، فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنهم يعبدون الملائكة . والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض علمائنا أنهم موحدون معتقدون تأثير النجوم وأنها فعالة ، ولهذا أفتى أبو سعيد الاصطخري القادر بالله بكفرهم حين سأله عنهم .
السادسة : قوله تعالى : " من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم " أي صدق . و " من " في قوله : " من آمن " في موضع نصب بدل من " الذين " . والفاء في قوله " فلهم " داخلة بسبب الإبهام الذي في " من " . و " لهم أجرهم " ابتداء وخبر في موضع خبر إن . ويحسن أن يكون " من " في موضع رفع بالابتداء ، ومعناها الشرط . و " آمن " في موضع جزم بالشرط ، والفاء الجواب . و " لهم أجرهم " خبر " من " ، والجملة كلها خبر " إن " ، والعائد على " الذين " محذوف ، تقديره من آمن منهم بالله . وفي الإيمان بالله واليوم الآخر اندراج الإيمان بالرسل والكتب والبعث .
السابعة : إن قال قائل : لم جمع الضمير في قوله تعالى : " لهم أجرهم " و " آمن " لفظ مفرد ليس بجمع ، وإنما كان يستقيم لو قال : له أجره . فالجواب أن " من " يقع على الواحد والتثنية والجمع ، فجائز أن يرجع الضمير مفردا ومثنى ومجموعا ، قال الله تعالى : " ومنهم من يستمعون إليك " [ يونس : 42 ] على المعنى . وقال : " ومنهم من يستمع إليك " على اللفظ . وقال الشاعر :
ألِمَّا بسلمى عنكما إن عَرضْتُمَا *** وقولاَ لَهَا عُوجِي على من تخلفوا
تعال فإن عاهدتني لا تخونني *** نكن مثلَ مَنْ يا ذئب يصطحبان
فحمل على المعنى ، ولو حمل على اللفظ لقال : يصطحب ، وتخلف . قال تعالى : " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات " فحمل على اللفظ . ثم قال : " خالدين " فحمل على المعنى ، ولو راعى اللفظ لقال : خالدا فيها . وإذا جرى ما بعد " من " على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى كما في هذه الآية . وإذا جرى ما بعدها على المعنى لم يجز أن يخالف به بعد على اللفظ ؛ لأن الإلباس يدخل في الكلام . وقد مضى الكلام في قوله تعالى : " فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون{[833]} " . والله أعلم .
الثامنة : روي عن ابن عباس أن قوله : " إن الذين آمنوا والذين هادو " [ الحج : 17 ] الآية . منسوخ بقوله تعالى : " يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " [ آل عمران : 85 ] الآية . وقال غيره : ليست بمنسوخة . وهى فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين بالنبي عليه السلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.